لو أن عادات وعقائد مختلفة متناقضة لم تنشأ في مراكز المسيحية المتعددة المستقلة بعضها عن بعض إلى حد ما والخاضعة إلى تقاليد وبيئات مختلفة. لو أن هذا لم يحدث لكان عدم حدوثه أمراً شديد الغرابة. ولقد قدر للمسيحية اليونانية بنوع خاص أن يطغي عليها سيل من البدع الدينية بتأثير عادات العقل اليوناني الميتافيزيقية المولعة بالنقاش والجدل؛ وليس من المستطاع فهم المسيحية على حقيقتها إلا إذا عرفنا ما دخل فيها من هذه البدع، لأنها وإن غلبتها لم تسلم من بعض ألوانها وأشكالها.
وكان ثمة عقيدة مشتركة وحدت الجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء العالم: هي أن المسيح ابن الله، وأنه سيعود لإقامة مملكته على الأرض، وأن كل مَن يؤمن به سينال النعيم المقيم في الدار الآخرة. ولكن المسيحيين اختلفوا في عودة المسيح؛ فلما أن مات نيرون، وخرب تيطس الهيكل، ولما أن دمر هدريان أورشليم، رحب كثيرون من المسيحيين بهذه الكوارث وعدوها بشائر بعودة المسيح.
ولما أن هددت الفوضى الإمبراطوريّة في أواخر القرن الثاني، طن ترتليان وغيره أن آخرة العالم قد دنت (٣٤)؛ وسار أحد الأساقفة السوريين على رأس قطيعه إلى الصحراء ليلتقي بالمسيح في منتصف الطريق، وأفسد أسقف آخر في بنطس نظام أتباعه بأن أعلن أن المسيح سيعود في خلال عام واحد (٣٥). ولما لم تصدق كل هذه العلامات، ولم يعد المسيح، رأى عقلاء المسيحيين أن يخففوا من وقع هذه الخيبة بتفسير موعد عودته تفسيراً جديداً، فقيل في رسالة معزوة إلى برنابا