المأساة اليونانية أشد قتاماً من المآسي الإنجليزية في عصر الملكة إليزابث لأنها قلما تستخدم مبدأ الترفيه التهكمي الذي يتخلل المأساة فيزيد قدرة السامع على احتمال ما فيها من فواجع. والكاتب اليوناني المسرحي لم يكن يلجأ إلى هذه الطريقة لأنه كان يفضل أن تكون مأساته عالية المستوى من بدايتها إلى نهايتها، ولذلك ترك المسلاة إلى كتاب المسرحيات الهزلية الخالية من المغزى والتي تهدئ عواطف النظارة المهتاجة بما تهيئه لهم من الفكاهة والراحة. وقد انفصلت المسلاة على مر الزمن من المأساة واستقلت عنها، وأفرد لها يوم خاص في الحفلات الديونيشية اقتصر منهج الاحتفال فيه على ثلاثة مسال أو أربع يكتبها مؤلفون مختلفون وتمثل واحدة بعد واحدة لتحصل كل منها على جائزة مستقلة.
وازدهرت المسلاة اليونانية كما ازدهرت الخطابة، في صقلية أول الأمر. ذلك أنه قدم إلى سرقوصة من كوس في عام ٤٨٤ فيلسوف، شاعر، طبيب، كاتب مسرحي يدعى إبكارمس Epicharmus أخذ يعرف الناس بفيثاغورس وهرقليطس ومبادئ العقليين في خمس وثلاثين مسلاة لم يبق منها إلا عبارات متفرقة منقولة عنها، وبعد اثنتي عشرة سنة من قدوم إبكارمس إلى صقلية أجاز الأركون الأثيني لفرقتها أن تمثل مسلاة؛ وسرعان ما نما الفن الجديد وتطور بتأثير الديمقراطية والحرية حتى أصبح أهم وسائل الهجو الأخلاقي والسياسي في أثينة؛ وكانت حرية التعبير الواسعة المسموح بها في المسلاة تقليداً يرجع إلى المواكب الديونيشية التي كانت تحمل عضو التناسل في الذكور. ولما أسيء استعمال هذه