كتاب قصة الحضارة

إنجلترا المرحة - ٤ - العدالة والقانون - ج: 28 - ص: 79

وثمة انحلال خلقي أسوأ دمغت به الحياة العمة، فقد تفشى في الوظائف الرسمية ابتزاز الأموال، قلت أو كثرت، وتغاضت عنه إليزابث، كعذر لها عن عدم زيادة الرواتب (٢٥). وكان أمين صندوق الحرب يحصل على ١٦. ٠٠٠ جنيه سنوياً علاوة على راتبه. وبالاحتيال القديم قدم الأزل، كانوا يحتفظون بأسماء الجنود الموتى في قوائم الجيش ويضعون مخصصاتهم في جيوبهم ويبيعون الملابس المخصصة لهم (٢٦). وكان الجندي يساوي وهو ميت أكثر منه وهو حي، وقبض ذوو المناصب الكبيرة مبالغ ضخمة من فيليب الثاني ليوجهوا سياسة إنجلترا نحو أهداف أسبانيا (٢٧). ومارس أمراء البحر القراصنة وباعوا الرقيق. وباع رجال الدين رواتب الكنيسة (٢٨)، وكان يمكن إغراء الصيادلة بتسميم الأدوية والأطباء بوصفها للناس. وغش التجار في البضائع، ووصل الأمر إلى فضيحة عالمية، ففي ١٥٨٥ حدث من الغش في الأقمشة الصوفية وغيرها في إنجلترا أكثر مما حدث منه في أوربا بأسرها (٣٠)، وكانت الأخلاق العسكرية بدائية ساذجة. وكم من مرة حدث الاستسلام بلا قيد ولا شرط، فكان جزاؤه إعمال الذبح في الجنود وفي غير المحاربين على حد سواء. وكان السحرة والعرافون يحرقون. كما كان الجزويت يؤخذون من فوق المشنقة ليقطعوا إرباً (٣٠). لقد جرت ينابيع الرحمة الإنسانية مستأنية في عهد الملكة الفاضل إليزابث.

[٤ - العدالة والقانون]

مازالت طبيعة الإنسان تنفر من المدنية، على رغم القرون العديدة التي سادت فيها الديانات وقامت الحكومات، وظلت تعبر عن الاستياء والاعتراض في سلسلة طويلة من الخطايا والجرائم، لم تفلح القوانين والأساطير والعقوبات في وقف سيلها. وكان في قلب لندن أربع مدارس للقانون هي The Inner Temple, The Middle Temple Gray's Inn Lincoln's Inn تعرف في جملتها باسم دور القضاء وأقام الطلبة فيها كما كانوا يقيمون في قاعات كليات أكسفورد وكمبردج. ولم يسمح بالالتحاق بها إلا لذوي المحتد الكريم، وكان كل المتخرجين فيها يقسمون اليمين على خدمة التاج. وكان البارزون منهم أو الذين يسهل قيادهم يصبحون قضاة في