[نكرر هنا ما ذكرناه في مقدمة هذا الجزء من أننا آثرنا أن نثبت هذه الفصول التي يتحدث فيها المؤلف عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن والدين الإسلامي كما أوردها حرصاً منا على الأمانة في الترجمة من جهة ولكي يطلع قراء العربية على بعض آراء الكتاب غير المسلمين من جهة أخرى سواء كانت هذه الآراء مما يتفق مع ما أجمع عليه أولئك القراء أولا يتفق معه. يضاف إلى ذلك أن هذه الفصول لا تخلو من كثير من الثناء على النبي وتمجيد للإسلام يصح أن يطلع عليه القراء. على أن إثباتنا لأقوال المؤلف لا يعني مطلقاً أننا نوافقه عليها. وقد ذكر وهو مسيحي في كلامه على المسيحية ما لا يوافقه عليه كثيرون من أبنائها كما ذكر عن اليهودية ما لا يوافقه عليه كثيرون من اليهود، ويجب أن لا يغفل القراء التعليقات التي أثبتناها في هوامش هذه الفصول].
لقد كان محمد من أسرة كريمة ممتازة، ولكنه لم يرث منها إلا ثروة متواضعة، فقد ترك له عبد الله خمسة من الإبل، وقطيعاً من المعز، وبيتاً، وأمة عنيت بتربيته في طفولته. ولفظ محمد مشتق من الحمد وهو مبالغة فيه، كأنه حمد مرة بعد مرة، ويمكن أن تنطبق عليه بعض فقرات في التوراة تبشر به. وقد توفيت أمه وهو في السادسة من عمره وكفله أولاً جده وكان وقتئذ في السادسة والسبعين من عمره ثم عمه أبو طالب ولقي منهما كثيراً من الحب والرعاية، ولكن يبدوا أن أحداً لم يعن بتعليمه القراءة والكتابة. ولم تكن لهذه الميزة قيمة عند العرب في ذلك الوقت، ولهذا لم يكن في قبيلة قريش كلها إلا سبعة عشر يقرءون ويكتبون. ولم يُعرَف عن محمد أنه كتب شيئاً بنفسه، وكان بعد الرسالة يستخدم كاتباً خاصاً له ولكن هذا لم يحل بينه وبين المجئ بأشهر (١) وأبلغ كتاب
(١) هذا رأي المؤلف بطبيعة الحال وليس من حقنا أن نطالب إليه أن يقول إنه منزل من عند الله. (المترجم)