فزمام الحكم والجيش في أيدي سادتهم، والمحاكم الفاسدة المرتشية تقضي في كل نزاع في غير مصلحتهم- فأخذوا يتحدثون عن الثورة العنيفة، وعن توزيع الثروة توزيعاً يخالف ما هو قائم وقتئذ مخالفة تامة. فلما عجز الأغنياء عن تحصيل ما لهم من ديون قانونية، وأغضبهم تحدي الفقراء لهم وتهديدهم بالاعتداء على أموالهم المدخرة وأملاكهم، لجأوا إلى القوانين القديمة واستعدوا لحماية أنفسهم بالقوة من الغوغاء، بعد أن بدا لهم أن هؤلاء لايهددون أموالهم فحسب، بل يهددون فوق ذلك النظام القائم كله، والدَّين، والحضارة بقضها وقضيضها.
[٣ - الثورة الصولونية]
قد يبدو عجيباً بعيداً عن المعقول أن يقوم في هذا الدرك الذي تدهورت إليه شؤون أثينة والذي يتكرر كثيراً في تاريخ الأمم، نقول قد يبدو عجيباً أن يقوم رجل يستطيع بغير عنف أو خطب قاسية مريرة أن يقنع الأغنياء والفقراء على السواء بأن يسووا أمورهم فيما بينهم تسوية لم تحل دون الفوضى الاجتماعية فحسب بل أقامه فوق ذلك نظاماً سياسياً واقتصادياً جديداً خيراً من النظام السابق، بقي ما بقيت أثينة مدينة مستقلة ألا إن ثورة صولون السلمية لمن المعجزات التاريخية التي تبعث الشجاعة والأمل في النفوس!
كان والد صولون من الأشراف الكرام المحتد، ومن أرفعهم بيتاً، وأنقاهم دماً، ينتهي نسبه إلى الملك كدروس، بل إنه كان يتبع نسبه إلى بوسيدن نفسه. وكانت أمه ابنة عم بيسستراتس الطاغية الذي خرق دستور صولون في أول الأمر ثم عاد بعدئذ فثبت دعائمه. وقد انغمس صولون في شبابه فيما كان ينغمس فيه أهل زمانه: فكان يقرض الشعر ويتغنى بملاذ "الصداقة اليونانية"، وفعل ما فعله ترتاروس Tyrtaetus فأثار حماسة