يقدّم لنا المؤلفان كعهدنا بهما في الكتب السابقة فيضاً من الوقائع التاريخية، وفيضاً من الأفكار الجديدة التي لا نلتقي بها في كتب التاريخ التقليدية. إنه يسوق لنا عبر فصوله أسباباً مقنعة لعدم قيام ثورة في إنجلترا ومن ثم بريطانيا بكياناتها المختلفة (اسكتلندا، وإنجلترا وويلز وأيرلندا)، كتلك التي قامت في فرنسا.
إنه يربط ذلك بطبيعة الشعب الإنجليزي لا تقلقل ما هو مُستقر كما يربطه بطبيعة الأرستقراطية الحاكمة التي لا ترى في نظام الطبقات قيداً على الحريات، ويؤكد لنا أنه نظام طبقي غير جامد شتان بينه وبين النظام الطبقي الديني في الهند مثلاً، حيث يستحيل الانتقال من طبقة إلى أخرى، وحيث طبقة البراهمة المقدسة، ويشير إلى علاقات صداقة ودودة بين الفلاحين واللوردات .. إلخ. كما يشير إلى أن إنجلترا كانت قد شهدت ثورة دموية في القرن السابع عشر، ومن ثمّ لم تكن في حاجة إلى ثورة جديدة.
ولعل من أطرف الأفكار وأكثرها جدّة أن الشعب البريطاني في هذه الفترة على الأقل، بمليكه وبرلمانه ومثقفيه وعلمائه وشعرائه، كانوا متفقين - اتفاقاً غير مكتوب - على أن كثيراً من المسائل الدينية في المسيحية غير واضحة وغير مؤكدة، بل وفي كثير من الأحيان غير موثوق بها، وعلى هذا فليعتقد كل واحد ما يشاء، وليتصور الرب أو الإله كما يشاء، وليقم بأية طقوس يراها مناسبة بشرط واحد وهو أن يُعلن أنه مسيحي.
ولا نكاد نجد من بين الشخصيات اللامعة التي أوردها المؤلف، مسيحياً حقيقياً بالمعنى الدارج للكلمة، لقد كان بعضهم ربانياً يؤمن بالله وحده ويُنكر تماما إلوهية المسيح، كما ينكر أي نبوّات أخرى، ووجدنا الموحدين Uniterians أو المناهضين للتثليث الذين لم يعترض عليهم التاج البريطاني شريطة أن يدرجوا أنفسهم تحت المسمّى العام (المسيحية)، ووجدنا الحلوليين (الشاعر وردزورث) الذي يرى الله غير منفصل عن الطبيعة، ورأينا المصلح أوين Owen الذي حارب الميسر، وطالب بتحريمه وتجريمه، وطالب الدولة بمنع اللوترية (اليانصيب) وأوصل صوته إلى البرلمان وعبّر عنه في كتبه، وطالب بتحريم الخمر، ومنع استيرادها، بل وطالب بعدم إصدار