عدد أبنائه كما يفعل الفرنسيون في هذه الأيام حتى لا تنقسم أملاكه بين أبنائه انقساماً يقضي عليها آخر الأمر (٤٣)؛ ولم تكن للأرملة أن ترث ملك زوجها، بل كان كل ما تناله من هذا الملك أن تسترد بائنتها. وكانت الوصايا معقدة في أيام بركليز تعقدها في أيامنا هذه، وكانت تصاغ في لغة شبيهة إلى حد كبير بلغة هذه الأيام (٤٤)؛ والتشريع اليوناني في هذا كما هو في غيره من المسائل، أساس التشريع الروماني الذي أصبح فيما بعد الأساس القانوني للمجتمع الغربي.
[٣ - القضاء]
إصلاح القضاء آخر ما تفعله الدمقراطية، ولقد كان أعظم إصلاح قام به إفيلتيز وبركليز هو نقل الحقوق القضائية التي كان يمارسها الأركونيون والأريوبجوس إلى الهيلية أي المحاكم الشعبية. وكان إنشاء هذه المحاكم هو الذي وهب أثينة ذلك النظام القضائي الذي أخذت عنه أوربا نظام المحلفين والذي عاد عليها بالخير العميم. وكانت الهيلية (١) تتألف من ستة آلاف محلف يُختارون بالقرعة من سجل المواطنين. وكان هؤلاء الآلاف الستة يوزعون على عشرة سجلات يحتوي كل سجل على خمسمائة اسم تقريباً، ويُترك الباقون للمناصب التي تخلو أو للظروف العاجلة الطارئة. وكانت القضايا الصغرى أو المحلية يفصل فيها ثلاثون محلفاً يزورون مقاطعات أتكا في مواسم معينة. وإذا كان كل محلف لا يبقى في منصبه أكثر من عام واحد في كل مرة، وكان الانتخاب لهذه المناصب بالدور، فقد كان كل مواطن تُتاح له الفرصة في الغالب لأن يكون محلفاً مرة في كل ثلاث سنين. ولم يكن مفروضاً عليه أن يؤدي هذا العمل، ولكن الأجر المقرر له وهو أوبلتان - ثم ثلاث أوبلات فيما بعد - كل يوم كان يجتذب
(١) الهيلية بمعناها الدقيق هي اسم المكان الذي كانت تجتمع فيه المحاكم، وقد سميت بهذا الاسم (المشتق من هيليوس أي الشمس) لأن الجلسات كانت تعقد في الهواء الطلق.