كانت أسرة مابليه حافزاً جديداً لروسو. وكان رئيس البلدية أكبر أخوة ثلاثة نابهين، أحدهم جابرييل بونو دمابليه الذي اقترب من الشيوعية، والآخر هو الأبيه إيتين بونو دكوندياك، الذي أوشك أن يكون مادياً. وقد التقى روسو بثلاثتهم. وبالطبع وقع في غرام مدام دمابليه، ولكنها كانت من السماحة بحيث لم تعر الأمر أهمية. واضطر جان-جاك أن ينصرف إلى مهمته، وهي تعليم ولديها. فأعد للسيد دمابليه بياناً بأفكاره التربوية، وكانت في بعضها تتفق والمبادئ التحررية التي ستعرض عرضاً رومانسياً ممتازاً في كتابه "إميل" بعد اثنين وعشرين عاماً، وفي بعضها تناقض رفضه اللاحق لـ"الحضارة"، لأنها اعترفت بقيمة الفنون والعلوم في تطوير النوع الإنساني. وكان يلتقي مراراً برجال كالأستاذ بورد عضو أكاديمية ليون (وكان صديقاً لفولتير)، فتشرب قدراً أكبر من "التنوير"، وتعلم أن يهزأ بالجهل والخرافة الشائعين بين الجماهير. ولكنه ظل طوال حياته مراهقاً. فذات يوم رأى شابة عارية تماماً إذ اختلس النظر إليها وهي تستحم في الحمامات العامة، وتوقف قلبه عن النبض، فلما خلا إلى نفسه في حجرته وجه إليها خطباً جريئاً غفلاً من التوقيع قال فيه:
"لا أكاد أجرؤ يا آنسة بالظروف التي أدين لها بسعادة رؤيتي إياك وعذاب حبي لك. فقد فتنني فيك ما هو أكثر من ذلك الجسد النحيل اللطيف الذي لا ينتقص العري من جماله، وذلك القوام الأنيق، وتلك الخطوط الرشيقة … ما هو أكثر من نضارة الزئبق المنثور على شخصك بهذا السخاء الكثير … أنها حمرة الخجل الناعمة التي رأيتها تكسو جبينك حين أسفرت عن وجودي لعينيك بعد أن جردتم بخبث شديد-بغناء بيتين من الشعر (٤٣).
وكان الآن وقد شب إلى السن التي تغريه بعشق الصبايا، فكادت كل