نشأ الإقطاع ليكون نظاماً عسكرياً لمجتمع زراعي غير مطمئن على نفسه؛ وكانت فضائله حربية أكثر منها اقتصادية. وكان ينتظر من سادة الإقطاع وأتباعهم أن يدربوا أنفسهم على الحرب وأن يكونوا في كل لحظة من اللحظات مستعدين لترك المحراث وانتضاء السيف.
وكان جيش الإقطاع هو الأداة الحكومية الإقطاعية، تنظمه روابط الولاء الإقطاعي وينقسم انقساماً دقيقاً إلى طبقة فوق طبقة حسب درجات الشرف والمنزلة، فالأمير، والمركيز، والكونت، ورئيس الأساقفة، وهم قواد الجيش، والبارون، والسيد، الأسقف، ورئيس الدير، هم رؤساء الفرق، وكان الفرسان Knights أو Chevaliers هم راكبي الخيل، وكان الأتباع هم خدم البارونات أو الفرسان، وكاد حملة السلاح men-at-arms- الجيش المرابط في المقاطعات أو القرى-يحاربون مشاة، وكان من وراء الجيش الإقطاعي، كما نراه في الحروب الصليبية، حشد من الخدم Varlets يتبعون الجند سيراً على الأقدام من غير نظام ولا قواد، وكانوا يساعدون الجيوش على انتهاب المغلوبين، ويريحون المعذبين ممن يسقطون في حومة الوغى، والجرحى من الأعداء بأن يجهزوا عليهم ببلطهم الحربية أو عصيهم الغليظة (٥٩). ولكن الجيش الإقطاعي كان في جوهره وأساسه هو الفارس مكرراً، ذلك أن المشاة قد فقدوا منزلتهم العليا بعد معركة هدريانوبل (٣٧٨)، ولم يستعيدوا هذه المنزلة إلا في القرن الرابع عشر، وكان الفرسان هم عماد الفروسية، وكان اسمهم وكل ما يتصل به من الأسماء الأخرى Cavalry، Chivalry، Caballero، Chevalier، Cavalier مشتقاً من اسم الفرس.