وليس الفكر، هو عصا الميزان بالنسبة للتاريخ، فالناس الذين يصوغون الأديان يحركون العالم، أما الفلاسفة فإنهم، جيلاً بعد جيل، يغلفون بعبارات جديدة الجهل الفائق للجزء ينصب نفسه حبراً على الكل. وعلى هذا فإن لوثر كان يصلي، بينما كان أرازموس يفكر تفكيراً منطقياً. وبينما كان أرازموس يتملق الأمراء، كان لوثر يخاطب الرب - وقتذاك في كبرياء امرئ، خاض بعزم، معارك في سبيل الرب، فأصبح له الحق في أن يسمع وقتذاك كطفل ضل في فضاء لا نهاية له، وكان واثقاً أن الرب يقف في جانبه، فواجه عقبات يصعب التغلب عليها وانتصر. وقال:"إني أحتمل حقد العالم بأسره، ومقت الإمبراطور والبابا وكل بطانتهم. حسن باسم الرب إلى الأمام! "(٤٥) وكان لديه من الشجاعة ما يكفي لأن يتحدى أعداءه، فلم يكن يدور بخلده ما يدفعه للشك في صدقه. كان يعتقد أن عليه أن يفعل ما ينبغي عليه أن يفعل.
[٢ - الهراطقة المتعصبون]
إن من المفيد ملاحظة كيف انتقل لوثر من التسامح إلى العقيدة بازدياد قوته ويقينه. ومن بين "الأخطاء"، التي اتهم بها البابا ليو العاشر في منشوره Exsurge Domine لوثر، أنه قال:"إن حرق الهراطقة مخالف لإرادة الروح القدس" وفي خطاب مفتوح إلى طبقة النبلاء المسيحيين (١٥٢٠) نصب لوثر "كل رجل قساً"، وأعطاه الحق في أن يفسر الكتاب المقدس، وفق حكمه الخاص، وفي ضوء فهمه الشخصي (٤٦)، وأضاف قائلاً:"يجب أن نقهر الهراطقة بالكتب لا بالإحراق"(٤٧) وفي مقال له بعنوان عن السلطة الزمنية (١٥٢٢) كتب يقول:
إن الله هو المتصرف في الروح ولن يسمح لأحد سواه أن يسيطر عليها. ونحن نود أن نجعل هذا واضحاً جلياً، بحيث يفهمه كل إنسان، ولطي يرى نبلاؤنا وأمراؤنا وأساقفتنا إلى أي حد تبلغ حماقتهم، عندما ينشدون