كان الرومان أكثر الشعوب القديمة ميلاً إلى التقاضي، على الرغم مما امتاز به قانون المرافعات عندهم من تعقيد فني وغموض محير مربك كان خليقاً بألا يشجعهم على الالتجاء إلى المحاكم. وما من شك في أنهم لو شهدوا إجراءاتنا القضائية لبدت لهم هي الأخرى طويلة مضللة؛ وكلما رجعنا في الحضارة إلى الوراء زادت القضايا طولاً؛ ولقد كان في وسع أي روماني، كما سبق القول، أن ينصب نفسه مدعياً في المحكمة الرومانية، وكان يطلب إلى المدعي والمدعى عليه والحاكم في عهد الجمهورية، حين كان يتولى الأشراف الحكم فيها، أن يسيروا على نهج معين يسمى الإجراء القانوني، إذا حاد أحدهم عنه قيد شعرة بطلت المحاكمة. وفي ذلك يقول جايوس: فإذا قاضى شخص آخر لأنه قطع كرومة ثم أطلق عليها في قضيته اسم "كروم" خسر القضية، فقد كان يجب عليه أن يسميها "أشجاراً" لأن اللفظ الوارد في الجداول الاثني عشر هو الأشجار لا الكروم بصفة خاصة (٢٧). وكان كل من طرفي النزاع يودع لدى الحاكم مبلغاً من المال Sacramentum يضيع على من يخسر القضية، ويصبح من حق دين الدولة، وكان من الواجب على المدعي عليه أن يقدم كفالة تضمن بها المحكمة حضوره أمامها فيما بعد. فإذا تم هذا أحال الحاكم النزاع إلى رجل يختاره من ثبت يحتوي أسماء الرجال الذين يصح لهم أن يكونوا قضاة. وكان القاضي في بعض الأحيان يصدر حكماً تمهيدياً يوجب على أحد الطرفين المتقاضيين أو كليهما أن يقوم بعمل من الأعمال أو يمتنع عن القيام به، وإذا خسر المدعي عليه القضية كان من حق المدعي أن يستولي على أملاكه أو يقبض عليه حتى ينفذ الحكم.