بلغت الثقافة الأوربية قمة مجدها في بلدين: اليونان القديمة وإيطاليا في عهد النهضة. ولم تكن تعتمد في كلا العهدين على نظام سياسي أكبر من دويلات المدن. ويغلب على الظن أن الأحوال الجغرافية قد أعانت بلاد اليونان على أن تصل إلى هذه النتيجة. ذلك أن الجبال ومجاري المياه تعترض السائل فيها أينما ذهب؛ وكانت القناطر فيها قليلة والطرق وعرة وغير معبدة. نعم إن البحر كان طريقاً عاماً مفتح الأبواب، ولكنه كان يربط المدينة بأخواتها من المدن التجارية لا بما يجاورها من المدن. على أن الأحوال الجغرافية لا تفسر وحدها قيام دول المدن، فقد كان هناك من أسباب الانفصال بين طيبة وبلاتية القائمتين على نفس السهل البؤوتي بقدر ما كان بين طيبة وإسبارطة؛ وكان بين سيباريس وكروتونا القائمتين على نفس الساحل الإيطالي من دواعي الانفصال أكثر مما كان بين سيباريس وسرقوسة. إن علينا أن نضم إلى العوامل الجغرافية عوامل أخرى كثيرة، فاختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية باعد بين المدن وجعلها يحارب بعضها بعضاً