كان عهد الاضمحلال في إيطاليا عهد البعث في سافوي، وليس ببعيد أن يكون عمانوئيل فليبيرت Emmanual Philibert وهو صبي في الثامنة من عمره قد رأى الفرنسيين يستولون على الدوقية (١٥٣٦)، ولما بلغ الخامسة والعشرين من عمره ورث تاجها وإن لم يرث أرضها وديارها؛ وفي التاسعة والعشرين اضطلع بدور رئيسي في انتصار الأسبان والإنجليز على الفرنسيين في سان كنتن St. Quentin (١٥٥٧) ، ولم يمض على هذا النصر إلا عامان حتى سلمت له فرنسا بلاده المخربة وعرشه المفلس، وكان بعث سافوي وبيدمنت على يديه من أعظم الأعمال التي قام بها رجال الحكم والسياسة في التاريخ، ذلك أن منحدرات جبال الألب في دوقيته كانت معششاً لهراطقة الكلفنية. وعرض عليه البابا بيوس الرابع إيراد الكنائس في عام كامل ليستعين به على قمع هذه الشيعة، واتخذ عمانوئيل لهذا الغرض إجراءات شديدة حاسمة، فلما أن أدت هذه الإجراءات إلى هجرة أفرادها جملة لجأ إلى خطة التسامح والمسالمة، وكبح جماح محكمة التفتيش، وآوى في بلاده اللاجئين من الهيوجينوت، ثم أنشأ جامعة جديدة في تورين وتبرع بالمال اللازم لتأليف دائرة معارف عامة في جميع العلوم، وكان على الدوام مجاملا لطيف المعشر، كما تكررت خيانته لزوجته مرجريت أميرة فالوا Margaret of Valois التي كانت تمده بالنصح السديد والمعونة الدبلوماسية، والتي كانت واسطة العقد في الحياة الاجتماعية والذهنية الساطعة