للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الثالث

[صاحب النزعة العقلية]

وعاد إلى محاضراته بعد عام من ذلك الوقت (١١٢٠) مستجيباً لإلحاح طلابه ورئيس ديره، وأخذ يلقيها في (صومعة) في شعبة دير ميزنل Maisoncelle. ونظن أننا نجد في كتبه أهم ما كان يحتويه منهج محاضراته. على أن هذه المحاضرات قد ألفها وهو قلق مضطرب على دفعات متقطعة، لا نستطيع أن نحدد تواريخها. وقد راجعها في سنيه الأخيرة حين تحطمن روحه، ولسنا ندري مقدار ما تحطم من حرارة الشباب بفعل الزمن. ولأبلار أربعة كتب صغرى في المنطق تدور كلها حول مسألة الكليات. ولا حاجة لنا إلى أن نوقفها من رقادها، لكن كتابة الجدل رسالة تقع في ٣٧٥ صفحة في المنطق بمعناه عند أرسطو: فهي تحليل عقلي لأجزاء الكلام وأدوات التفكير (المادة، والكم، والمكان، والموضع، والزمن، والعلاقة، والصفة، والملكية والعقل، (والعاطفة)) وأشكال القضايا المنطقية، وقواعد الاستدلال. وكان من واجب عقل أوربا الغربية بعد أن استيقظ من سباته أن يوضح لنفسه هذه الأفكار الأساسية كما يفعل الطفل حين يتعلم القراءة. وكان الجدل أهم ما تعني به الفلسفة في أيام أبلار، ويرجع بعض السبب في هذا إلى أن الفلسفة الجديدة قد تفرعت من أرسطو عن طريق بوئيثيوس Boethius وبرفيري. ولم يكن الجيل الأول من أصحاب الفلسفة المدرسية يعرف إلا رسائل أرسطو المنطقية (وحتى هذه الرسائل لم تكن كلها معروفة له). ولهذا لم يكن كتاب أبلار في الجدل كتاباً ممتعاً خلاياً. ولكننا نسمع في صفحاته التي تعنى بالشكل قبل كل شيء إلى طلقة أو طلقتين من تلك المناوشات الأولى في الحرب التي قامت بين الدين والعقل ودامت مائتي عام.