لقد كان القرن الرابع عشر إلى ذلك الوقت بالنسبة لإمارات البلقان بمثابة القمة في تاريخها … وعمل الصقالبة الأشداء في ولاشيا وبلغاريا والصرب والبوسنة وألبانيا على قطع الأخشاب من الغابات والبحث عن المناجم وفلاحة الأرض ورعى قطعان الماشية وكانوا يحرصون على تربية دوابهم. وحمل الصقالبة والإيطاليون والمجربون والبلغار واليونان واليهود تجارة الشرق والغرب من بحر الأدرياتي إلى البحر الأسود ومن البحر الأسود إلى البلطيق، وكانت المدن تدر عليهم الرزق كلما ساروا.
وكان الرجل العظيم من الصرب في هذا القرن هو ستيفن دوشان. ولقد أنجبه والده ستيفن أروس الثالث في انفلاتة قصيرة عن روابط الزوجية وسماه بهذا الاسم المحبوب دوشا - أي الروح - وتوّجه ولياً للعهد حتى إذا جاء ابن آخر شرعي وحمل بدوره ألقاباً محببة، خلع ستيفن أباه، وشنقه وحكم بلاد الصرب بيد قوية مدى جيل كامل. وكتب أحد معاصريه عنه يقول:"كان أطول رجال زمانه وأبشعهم منظراً"، واغتفرت له الصرب كل شيء لأنه شن حرباً مظفرة. فقد درب جيشاً جراراً، وقاده بحنكة، وفتح البوسنة وألبانيا وأبيروس وأكارنانيا وأيتوليا ومقدونيا وتساليا ونقل عاصمة ملكه من بلجراد إلى سكبلجة حيث جمع برلماناً من النبلاء، وناشده أن يوحد ويجمع قوانين ولاياته المختلفة، وكانت ثمرة ذلك هي:"زابونيك تساد دوشانه" أي "مجموعة قوانين القيصر دوشا"(١٣٤٩) وهي تكشف عن مستوى في التطور القانوني والعرف المتمدين لا يقل كثيراً عما في أوربا الغربية، وأفاد الفن الصربي في القرن الرابع عشر من هذه النهضة السياسية في التمويل وربما في الحافز حتى ضارع الازدهار المعاصر في القسطنطينية والمورة، فأقيمت الكنائس الفخمة، وكانت الفسيفساء فيها أكثر