احتكار الحكومة للملح. وكان الفضل لجهده في صيانة الطرق والجسور والقنوات. ولعله كان مؤدياً العشور برضى أكثر-فهو رجل "يخاف الله" والعشور تجبى جباية رحيمة، وندر أن اقتضته عشر دخله بالضبط (٢١)، ولكنه رأى أكثرها يترك الأبرشية ليعول أسقفاً في بلد ناء، أو كنسياً عاطلاً في البلاط، بل حتى علمانياً اشترى حصة في العشور المستقبلة. وقد خفف لويس السادس عشر عبء الضريبة المباشرة على الفلاح، ولكن الضرائب غير المباشرة زيدت في كثير من الأقاليم (٢٢).
فهل كان فقر الفلاح سبب الثورة؟ لقد كان فقره عاملاً درامياً في مركب من أسباب عدة. كان أفقر الفقراء أعجز من أن يثوروا؛ في استطاعتهم أن يرفعوا أصواتهم طلباً للغوث، ولكنهم لا يملكون الوسيلة ولا الهمة لتنظيم الثورة، إلى أن استنفرهم المزارعون الأكثر ثراء وعملاء الطبقة الوسطى، وانتفاضات رعاع باريس. على انه حين وهنت قوى الدولة نتيجة تطور الشعب الفكري، وحين سرت عدوى الأفكار الراديكالية إلى الجيش سرياناً خطراً، وحين لم تعد السلطات المحلية قادرة على الاعتماد على التأييد الحربي يأتيها من فرساي-عندها أصبح الفلاحون قوة ثورية، فتجمعوا، وتبادلوا الشكاوي والعهود، وتسلحوا، وهاجموا القصور الريفية، وأحرقوا بيوت الإقطاعيين المتغطرسين، ودمروا السجلات الإقطاعية التي استشهدوا بها على صحة الحقوق الإقطاعية، هذا العمل المباشر، الذي هدد بتدمير شامل لأملاك الإقطاعيين، هو الذي روع النبلاء فنزلوا عن امتيازاتهم الإقطاعية (٤ أغسطس ١٧٨٩). ووضعوا بذلك نهاية شرعية للنظام القديم.
[٣ - الصناعة والثورة]
في موضوع الصناعة على الأخص تغيم الصورة السابقة للثورة وتتعقد (١). فالصناعة لبيئية-صناعة الرجال والنساء والأبناء في البيت-كانت تخدم التجار الذين يوفرون المادة ويشترون الناتج (٢)، والطوائف الحرفية-المعلمون، وعمال اليومية، والصبية-كانت تنتج السلع اليدوية لتلبية الاحتياجات المحلية بنوع خاص. وقد عمرت هذه الطوائف حتى الثورة، ولكن في