لقد حققت محاكم التحقيق في العصور الوسطى أغراضها العاجلة، فقد قضت على الكثارية. فرنسا، ولم تبق من الولدنسيين إلا عدداً قليلا من المتحمسين المتفرقين في أماكن مختلفة، وأعادت جنوبي إيطاليا إلى الدين القويم، وأجلت تمزق المسيحية الغربية مدى ثلاثة قرون. وبها انتقلت زعامة أوربا الثقافية من فرنسا إلى إيطاليا، ولكن الملكية الفرنسية المطلقة، بعد أن قويت باستيلائها على لانجويدك، بلغت من السلطان مبلغاً استطاعت به أن تخضع البابوية لأمرها في أيام بنيفاس الثامن، وأن تزجها في السجن في عهد كلمنت الخامس.
ولم يكن لمحاكم التحقيق في أسبانيا قبل عام ١٣٠٠ إلا شأن صغير، وترجع نشأتها فيها إلى عام ١٢٣٢ حين استطاع ريمند البنيافورتي Raymond of panafort الراهب الدمنيكي عند جيمس الأول ملك أرغونة، ان يقنع هذا الملك بإدخال محاكم التحقيق في بلده. ولعل هذا الملك أراد أن يقلل من شطط محاكم التحقيق فسن في عام ١٢٣٣ قانوناً يجعل الدولة هي التي تؤول إليها أملاك الضالين المصادرة، وإن أصبح هذا العمل نفسه في القرون التالية حافزاً قوياً للملوك وجدوا أن التحقيق والاستيلاء عملان شديدا الاتصال أحدهما بالآخر.
وفي شمال إيطاليا ضل الضالون كثيري العدد فلم يكن أتباع الدين القويم يعنون كثيراً بالاشتراك في اصطياد الضالين، وكان الطغاة المستقلون أمثال إزلينو Ezzelino في فيشنزا Vicenza وبلافيشينو Pallaviclno في كرمونا وميلان يحمون الضالين سراً أو جهراً. وفي فلورنس أنشأ الراهب روجيري Ruggieri