والعالم على أنهما حصيلة تدبير إلهي:"إن أول شيء كان يقتضي تدبيره والعالم على أنهما حصيلة تدبير إلهي: "إن أول شيء كان يقتضي تدبيره بجلاء في نظام يوضع بحيث يحقق كلاً غائياً للكائنات الطبيعية على الأرض هو موطنها-التربة أو العنصر الذي يراد لها أن تزكو عليه أو فيه. ولكن التعمق في طبيعة هذا الشرط الأساسي للإنتاج العضوي كله أثراً يظهر أثراً لأي علل إلا تلك التي تعمل دون غاية إطلاقاً، بل تنزع في الواقع إلى التدمير دون أن يكون القصد منها تشجيع تكوين الأنواع والنظام والغايات. والبر والبحر لا يحويان فقط آثار كوارت قديمة العهد هائلة حلت بهما وبكل ما زخرا به من كائنات حية، ولكن تكوينهما بجملته-طبقات اليابس وخطوط سواحل البحر-يحمل كل المظاهر الدالة على أنه نتيجة قوى عنيفة قهارة لطبيعة تعمل في فوضى" (٥٦).
ومع ذلك أيضاً، فإننا لو تخيلنا عن كل فكرة في وجود هدف في الطبيعة لسلبثا الحياة كل معناها الأخلاقي، فتصبح سلسلة حمقاء من ولادات مؤلمة وميتات معذبة، ليس فيها للفرد ولا للأمة ولا للنوع شيء مؤكد إلا الهزيمة. فلا بد لنا من أن نؤمن بغاية إلهية ولو للاحتفاظ بسلامة عقولنا-وما دامت الغائية لا تثبت غير صانع مكافح بدلاً من خيرية إلهية كلية القدرة، فلا بد إذن من أن نرسي إيماننا في الحياة على حس أخلاقي لا يبرره غير الاعتقاد باله عادل. بهذه العقيدة نستطيع أن نعتقد-وأن كنا لا نستطيع أن نثبت بالبرهان-إن البار هو الغاية النهائية للخليقة، وأنه أنبل ثمرة للتدبير العظيم الملغز (٥٧).
[٥ - الدين والعقل]
١٧٩٣
لم يكن كانت قانعاً قط بلاهوته الـ "كأني" المتردد. ففي ١٧٩١، في كتيب عنوانه "عن تهافت جميع المحاولات الفلسفة في الإلهيات" أعاد القول إن "عقلنا عاجز عن تبصيرنا بالعلاقة بين العالم … والحكمة السامية". وأضاف إلى هذا تحفظاً، ربما لنفسه، فقال: "على الفيلسوف ألا يلعب دور المحامي الخاص في هذا الأمر؛ وعليه ألا يدفع عن أي قضية