إلى همبرج. وفي ١٦٣٣ أرسله أوكسنستيرنا إلى باريس سفيراً للسويد لدى فرنسا، وكلن جروشيوس- شأن معظم الفلاسفة- كان أكثر ائتلافاً من أفكاره وآرائه منه مع الناس، فكمن بغضه لريشليو، ثم لمزران من بعده، من أن يحدد دبلوماسيته. وفي ١٦٤٥ عاد إلى التماس الراحة والسلوى بين كتبه. ودعته الملكة كريستينا للإقامة في بلاطها، علماً تجزل له العطاء، ولكنه حظي بموافقتها على اللجوء إلى ألمانيا. فرتبت له الملكة أمر السفر إلى لوبك، ولكن عاصفة جنحت بالقارب على الشاطئ، فعانى جروشيوس كثيراً من هول الصدمة ومن افتضاح أمره، وقضى نحبه في روستوك في ٢٩ أغسطس ١٦٤٥، وهو في الثانية والستين من العمر.
وبعد انقضاء مائتين وسبعة وستين عاماً غفرت له هولندة "تحرريته"، وفي ١٨٨٦ أقامت له تمثالاً في مسقط رأسه. وفي ١٨٩٩ وضع مندوبو الولايات المتحدة إلى المؤتمر الدولي للسلام في لاهاي، على قبره إكليلاً من الفضة، اعترافاً بأن كتابه أسهم لبعض الوقت في الحد من "لعبة الملوك".
[٥ - الكاهن الأبيقوري]
هلا وقفنا، ونحن نمضي في طريقنا إلى ديكارت، وقفة أخيرة، لنفكر ملياً في سر الكاهن الكاثوليكي الذي أحيا مادية أبيقور. فكان من مظاهر التطور العقلي في أوربا أن فيلسوف اللذة اليوناني الذي ظل اسمه لعدة قرون مرادفاً، "للكفر والإلحاد"، يلقى الآن، وفي غمرة النفور المتزايدة من أرسطو، تكريماً وتشريفاً على يدي كاهن ورع لا عيب فيه، نباتي مات من فرط تشدده في الإمساك أيام الصوم الكبير.
بدأ بيير جاسندي حياته ابناً لأحد الفلاحين بالقرب من دير في بروفانس، وأظهر من حدة الذهن والشغف بالمعرفة ما هيأ له وهو في السادسة عشرة