ووصل سوء الحكم وقتئذ إلى غايته كما تأصلت الديمقراطية فيه بدرجة قلما نجد لها نظيراً في تاريخ الدول. وحدث في عام ٩٨ ق. م أن أعاد القائد الروماني ديديوس Didius ما فعله من قبله سلبسيوس جلبا Swpicius Galba فقد خدع قبيلة كاملة من الأسبان المشاغبين حتى استدرجهم إلى معسكر روماني في أسبانيا مدعياً أنه يريد أن يسجل أسماءهم ليوزع الأرض الزراعية عليهم، فلما دخلوا المعسكر هم وأزواجهم وأبناؤهم أمر بهم فذبحوا عن أخرهم، ولما عاد إلى رومه احتفل بعودته احتفال الظافرين (٣٠). ولم يطق هذه الفظائع وأمثالها من ضروب الوحشية التي كان يقترفها رجال الإمبراطورية ضابط سبيني في الجيش الروماني يدعى كونتس سرتوريوس Quintus Sertorius فذهب الأسبان، ونظم صفوفها ودربهم على القتال وقادهم من نصر إلى نصر على الجيوش الرومانية التي سيرت لإخضاعهم، وظل ثماني سنين (٨٠ - ٧٢) يحكم مملكة ثائرة خارجة على حكم الرومان، كسب في خلافها قلوب الأسبان بحكمه العادل وبإنشاء المدارس لتعليم أبنائهم. وعرض متلس القائد الروماني مائة تالنت أي ما يقارب من ٣٦٠. ٠٠٠ ريال أمريكي، وعشرين ألف فدان من الأرض مكافأة لأي روماني يقتل سرتويوس، وكان لهذا العرض السخي أثره فدعاه بربنا Perpenna، وهو لاجئ روماني في معسكره، إلى وليمة، واغتاله، وتولى قيادة الجيش الذي دربه سرتوريوس. وأرسل بمبي لقتال بربنا ولم يلق صعوبة ما في التغلب عليه. وأسر بربنا وأعدم وعاد الرومان إلى استغلال أسبانيا من جديد.
وكان العمل الثاني من أعمال الثورة من فعل الأرقاء لا من فعل الأحرار.