أوصى هيرود قبل وفاته أن تقسم مملكته بين أبنائه الثلاثة الباقين أحياء. فحكم فيليب الإقليم الشرقي المعروف باسم بنتانيا Bantanea، الذي يحتوي على مدائن بيت سيده، وكبتولياس، وجراسا، وفلدلفية، وبصرى. وحكم هيرود أنتيباس بيريا Peraea (الأرض الواقعة وراء نهر الأردن)، والجليل في الشمال حيث توجد أزدريلا، وطبرية، والناصرة. وكان نصيب أركلوس سمريتس، وغيدوميا، ويهوذا. وكان في هذا القسم الأخير كثير من المُدن والبلدان الشهيرة أمثال بيت لحم، وحيرون، وبير سبع، وغزّة، وجدارا، وإموس، ويمنيا، ويافا، وقيصرية، وأريحة، وأورشليم. وكانت بعض المُدن الفلسطينية تغلب عليها الصبغة اليونانية، وبعضها تغلب عليه الصبغى السورية، وبدل وجود الخنازير في جدارا على وجود غير اليهود فيها. وكان الوثنيون هم الكثرة الغالية في المُدن الساحلية ما عدا يافا، ويمنيا في "المدن العشر" القائمة على شاطئ نهر الأردن، أما في الداخل فيكاد السكان أن يكونوا كلهم من اليهود. وكان هذا الانقسام العنصري، غير المحبب إلى روما، مأساة فلسطين. وإذا أردنا أن نفهم سبب اشمئزاز اليهود الصالحين من شرك المجتمع الوثني وما كان يسوده من فساد خلقي فعلينا أن نرجع إلى زمن المتطهّرين المتزمّتين في إنكلترا. لقد كان الدين عند اليهود مصدر شريعتهم، ودولتهم، وآمالهم؛ وكانوا يظنون إنهم إذا رضوا أن يذوب هذا الدين في نهر الهلنية الجارف كان هذا بمثابة انتحار لقوميتهم؛ ومن ثم نشأت تلك البغضاء بين اليهود وغير اليهود حتى جعلت تلك الأمّة الصغيرة تقضي حياتها كلها في نزاع عصري واضطراب سياسي،