كل عصر في حياة العالم عصر خيال، لأن الناس لا يستطيعون أن يعيشوا بالخبز وحده، والخيال عماد الحياة، ولعل القرنين الثاني عشر والثالث عشر من تاريخ أوربا كانا إلى حد قليل أبعد خيالاً من معظم العصور الأخرى. ذلك أن هذين القرنين لم يرثا جميع المخلوقات الخفية التي ابتدعها خيال أوربا الوثاب فحسب، بل قبلاً الملحمة المسيحية بكل ما فيها من جمال الخيال ورهبته، واتخذا الحب والحرب فناً وديناً؛ وشهد هذان القرنان الحروب الصليبية وجاءا بمئات القصص والعجائب من بلاد الشرق، وكتبا في واقع الأمر أطول القصص الخيالية المعروفة في التاريخ كله.
وكان مما ساعد على ازدهار الأدب قي هذين القرنين ازدياد الثروة، والفراغ والأدب غير الديني، ونشأة المدن والطبقة الوسطى، وارتفاع شأن المرأة في الدين، ونظام الفروسية. ولما تضاعف عدد المدارس بهر شيشرون، وفرجيل، وهوارس، وأوفد، وليفي، وسالست، وسنكا، واستاتيوس، وجوفنال، وكونتليان، وسيوتونيوس، وأبوليوس، وسيدونيوس، وحتى ماريتال وبترونيوس