للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الرّابع

[انتصار النبي]

قضى النبي معظم العامين الباقيين من حياته في المدينة، وكان ينتقل فيها من نصر إلى نصر، فقد خضعت فيهما بلاد العرب كلها، بعد فتن قليلة الشأن، إلى سلطانه ودخلت في دين الإسلام. وجاء إلى المدينة كعب ابن زهير، أعظم شعراء العرب في ذلك الوقت، وكان قد هجا النبي في بعض قصائده، وأسلم نفسه إليه، واعتنق الإسلام، فعفا عنه النبي، وأنشأ الشاعر قصيدة عصماء في مديح النبي أجازه عليها ببردته (١)، وعاهد النبي المسيحيين في بلاد العرب، وأخذ على نفسه أن يحميهم وأن يكونوا أحرار في ممارسة شعائر دينهم نظير ضريبة هينة، ولكنه نهاهم عن الربا. ويقول المؤرخون إنه بعث الوفود إلى ملك الروم، وملك الفرس وإلى أمير الحيرة وبني غسان، يدعوهم إلى الدين الجديد؛ ويلوح أن أحداً منهم لم يرد على رسائله (٢)، وكان يشهد بعين المستسلم الفيلسوف الحروب المشتعلة نارها بين فارس وبيزنطية وما جرته عل الدولتين من خراب، ولكنه يبدو أنه لم يفكر قط في توسيع سلطانه خارج حدود بلاد العرب (٣).


(١) وبيعت بعدئذ لمعاوية بأربعين ألف درهم، ولا يزال الأتراك يحتفظون بها إلى اليوم وتتخذ في بعض الأحيان علماً قومياً. (ي)
(٢) من هؤلاء من رد رداً قبيحاً مثل كسرى، ومنهم من رد رداً جميلاً مثل قيصر، ومنهم من وعد بالنظر في الأمر مثل "المقوقس" حاكم مصر والمنذر صاحب البحرين وجبلة ابن الأيهم الغساني. راجع سيرة ابن هشام ج‍٢ ص ٣٢٠. (ي)
(٣) لعل المؤلف يريد بقوله إن النبي لم يفكر في توسيع حدود الدولة الجديدة خارج حدود بلاد العرب أنه لم يكن يريد ضمها إلى الدولة الناشئة الجديدة وهذا لا ينفي أنه أراد أن يدعوا أهلها إلى الدخول في دين الإسلام. (المترجم)