لم يكن الصقالبة إلا آخر الأقوام الكثيرين الذين كانوا يمرحون ويطربون في تربة الروسيا الخصبة، وسهولها الرحبة، وأنهارها الكثيرة الصالحة للملاحة، ويأسون لمناقعها العفنة، وغاباتها المانعة، وافتقارها إلى المعاقل الطبيعية التي تصد الأعداء الغازين، وصيفها الحار، وشتائها البارد. فلقد أنشأ اليونان منذ القرن السابع قبل الميلاد على أقل سواحلها جدباً أي شواطئ البحر الأسود الغربي والشمالي نحو عشرين بلدة-ألبيا Albia، وتانيس Tanais، وثيودوسيا Theodosja، وبنتيكبيوم Panticapium (كرتش Kerche) . واقتتلوا مع السكوذيين الضاربين وراء هذه البلاد أو ناصروهم. وسرت إلى هؤلاء الأقوام-وأكبر الظن أنهم من أصل إيراني-بعض عناصر الحضارة الفارسية واليونانية، بل إنهم قد خرج من بينهم فيلسوف-أناخارسيس Anacharsis ٦٠٠ ق. م-قدم إلى أثينة وتناقش مع صولون.
ثم أقبلت في القرن الثاني قبل الميلاد قبيلة إيرانية أخرى هي قبيلة السرماتيين، وهزمت السكوذيين وسكنت ديارهم؛ واضمحلت المستعمرات اليونانية في هذا الاضطراب. ودخل البلاط القوط من الغرب في القرن الثاني بعد الميلاد، وأنشئوا مملكة القوط الشرقيين، ثم قضى الهون على هذه المملكة حوالي عام ٣٧٥، ولم تكد سهول روسيا الجنوبية تشهد بعد هذا الغزو أية حضارة، بل شهدت هجرات متتابعة من أقوام بدو- هم البلغار، والآفار، والصقالبة، والخزر، والمجر، والبتزيناك Patzinaks، والكومان Cumans، والمغول. وكان الخزر من أصل تركي زحفوا في القرن السبع مخترقين جبال القفقاس إلى جنوبي روسيا، وأنشأوا