ولقد خيل إلى أهل ذلك الوقت الذين كانوا يعيشون في عالم مليء بالقوى العليا غير الطبيعية أن حوادث الحياة رهينة بإرادة الشياطين والآلهة، ولم يكن أمام اليونان الذين يريدون معرفة هذه الإرادة إلا أن يلجئوا إلى العرافين والمتنبئين يستشيرونهم في أمرهم، وكان هؤلاء ينبئون بالمستقبل بالنظر في النجوم: وتأويل الأحلام، وبحث أحشاء الحيوان، وزجر الطيور، وكان العرافون المحترفون يؤجرون أنفسهم للأسر والجيوش والدول من ذلك أن نسياس Nicias استخدم قبل أن يسير حملته على صقلية طائفة كبيرة من مقربي القرابين وزاجري الطيور وقارئي الغيب. ولسنا نقول إن القواد لم يبلغوا كلهم من التقى ما بلغه هذا القائد مالك العبيد؛ ولكنهم كلهم تقريباً لم يكونوا يقلون عنه إيماناً بالخرافات. وكان يظهر في البلاد في أوقات مختلفة رجال ونساء يدعون أنهم ممن يوحى إليهم أو ممن كشف الغطاء عن أبصارهم، وكان في أيونيا بنوع خاص نساء سبييلات) أي إرادة الله (يذعن نبوءات يصدقها ملايين اليونان، ويقال إن واحدة من أولئك السييلات Sibyls تدعى هرفيلا Herophila طافت ببلاد اليونان مبتدئة من إريثرا Erythra ثم استقرت في كومي بإيطاليا حيث أصبحت أشهر سيبيلات زمانها، وعاشت كما تقول الرواية المتواترة ألف عام، وكان في أثينة، كما كان في رومة، عدد كبير من المتنبئين والمتنبآت، وكانت الحكومة تحتفظ في بهو البلدية الأكبر برجال يحذقون تأويل أقوالهم.
وكان في كثير من الهياكل المنتشرة في جميع أنحاء اليونان متنبئون عموميون، ولكن أشهرهم وأجلهم قدراً في الأيام القديمة متنبئي زيوس في دودونا Dodone