لا بد وأن يكون الإيمان المسيحي قد ضعف مع ازدياد التسامح الديني، فكلما زادت المعرفة وجدناها تتخطى الحواجز التي وضعتها العقائد. لقد أصبح من المستحيل بالنسبة إلى المسيحيين المتعلمين أن يكرهوا اليهودي المعاصر بسبب صلب المسيح السياسي (صلب تم لأسباب سياسية) مضى عليه ثمانية عشر قرنا، وربما قرأ المسيحي المتعلم في إنجيل متى (٢١/ ٨) كيف أن جموعاً من اليهود قد انتشروا وجريد النخيل في أيديهم للترحيب بداعيهم المحبوب (المقصود المسيح عليه السلام) وهو يدخل القدس قبل موته بأيام قليلة. وعلى أية حال فقد كان اليهود في النمسا قد جرى تحريرهم على يد جوزيف الثاني، وفي بلاد الراين على يد الثورة الفرنسية أو نابليون، وفي بروسيا على يد هاردنبرج Hardenberg فخرجوا سعداء من معازلهم ghettos وتكيفوا مع محيطهم وزمانهم لباساً ولغة وعادات، وأصبحوا عمالاً قادرين ومواطنين موالين للبلاد التي يقيمون فيها وعلماء مبدعين ودارسين مخلصين. لكن ظلت معاداة السامية سائدة بين غير المتعلمين أما بين المتعلمين فقد فقدت بعدها الديني وإنما كان لها (أي معاداة السامية) أساس يغذيها في المنافسة الاقتصادية والفكرية وفي أساليب الحياة في (الجيتو) التي ظلت باقية إذ حافظ عليها اليهود الفقراء.
لقد شهدت فرانكفورت أيام جوته عداء شديدا بين المسحيين واليهود، واستمر هذا العداء طويلا، لأن البورجوازية الحاكمة هناك أحست بالمنافسة اليهودية الشرسة في مجال التجارة والصرافة والأمور المالية. وكان مير أمشل روتشلد Meyer Amschel Rothschild اليهودي (١٧٤٣ - ١٨١٢) يعيش بينهم في هدوء وأسس أعظم البيوت المالية في التاريخ بإقراض الأمراء المفلسين مثل الكونتات الألمان (اللاندجريف landgraves) في هسي - كاسل Hesse-Cassel، أو بعمل اليهود كوكلاء لإنجلترا لتقديم الأموال للذين يواجهون نابليون. ومع هذا فقد كان نابليون هو الذي أصرّ في سنة ١٨١٠ على منح يهود فرانكفورت حريتهم كاملة بضمان تشريعاته المعروفة بالمدونة النابليونية.