يحبونه أعظم الحب … ولم يكن كل ما تركه قبل وفاته هو الرعب الذي قذفه في قلوب أعدائه، بل أنه ترك فوق ذلك في قلوب رعاياه شعوراً قوياً بالخسارة والحرمان (٦٧).
[٢ - بؤيثيوس]
وفي هذه البيئة التي عمها السلم والأمن بلغ الأدب اللاتيني آخر مرحلة من مراحل الرقي والازدهار. ومن أشهر أدباء ذلك العصر فلافيوس ماجنوس أورليس كسيودورس Flavius Magnus Aurelis Cassiodorus (٤٨٠ - ٥٧٣) الذي كان أمين سر أدوكر وثيودريك. وقد ألَّف، بناء على إشارة ثيودريك، تاريخ القوط (٦٨) وكان يهدف إلى أن يظهر للرومان المتشامخين أن للقوط أيضاً أنباء نبلاء وأعمالاً مجيدة. ولعل أكثر من هذا موضوعية تاريخه الإخباري الذي أرّخ فيه العالم كله من آدم إلى ثيودريك، ونشر في أواخر حياته السياسية مجموعة من رسائله وأوراقه المتعلقة بشؤون الدولة بعضها سخيف بعض السخف، وبعضها كثير المبالغة والتباهي، وبعضها يكشف عن مستوى أخلاقي رفيع ومقدرة إدارية عظيمة كان يتصف بهما الوزير ومليكه. ولما شهد في عام ٤٥٠ اضمحلال الحكومة التي خدعها ثم سقوطها اعتزل منصبه وآوى إلى ضيعته في اسكويلاس Squillace بكلبيريا Calabria، وأنشأ هناك ديرين، وعاش فيها عيشة وسطاً بين عيشة الرهبان والعظماء حتى وافته المنية في سن الثالثة والتسعين. وقد علم زملاءه الرهبان أن ينسخوا المخطوطات، الوثنية منها والمسيحية، وأعد لهذا العمل حجرة خاصة. وحذت بعض المعاهد الدينية الأخرى حذوه، ولهذا فإن كثيراً مما لدينا من الكنوز الحديثة المنقولة عن الأدب القديم هو ثمرة من ثمار أعمال النسخ التي تمت في الأديرة، والتي بدأها كسيودورس وزملاءه الرهبان. وألّف أواخر سني حياته كتاباً مدرسياً سماه: منهجاً في