للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين والدراسات غير الدينية دافع فيه دفاعاً جريئاً عن قراءة الآداب الوثنية. واتبع فيه منهج الدراسة المدرسي الذي وضعه مريانوس كابلا Marianus Capella والذي قسم فيه العلوم إلى مجموعتين: المجموعة الثلاثية والمجموعة الرباعية، وهو التقسيم الذي ظل متبعاً في التعليم طوال العصور الوسطى.

وكانت حياة أنيسيوس مانليوس سفرينوس بؤيثيوس Anicius Manlius Severinus Boethius (٤٧٥؟ -٥٣٤) شبيهة بحياة كسيودورس في كل شيء إلا في قصر مدتها. فكلاهما من أبناء الأسرة الرومانية الغنية، وكلاهما كان وزيراً لثيودريك، وكلاهما بذل جهداً كبيراً لسد الثغرة التي تفصل الوثنية عن المسيحية، وكتب كتباً مملة ظلت ألف عام تقرأ وتعّد من الذخائر القيمة. وكان والد بؤيثيوس قنصلاً في عام ٤٨٣، وكان والد زوجته سيماخوس الأصغر من نسل سيماخوس الذي دافع عن مذبح الحرية. وتعلم أحسن تعليم تستطيع روما أن تقدمه لأبنائها، ثم قضى بعدئذ ثمانية عشر عاماً في مدارس أثينة عاد بعدها إلى قصوره الريفية في إيطاليا، وانهمك في الدرس، واعتزم أن ينقذ عناصر الثقافة اليونانية واللاتينية القديمة التي رآها آخذة في الزوال، فوهب وقته كله -وهو أكبر ما يعتز به العالم المجد- في تلخيص كتب إقليدس في الهندسة النظرية ونقوماخوس في الحساب، وأرخميديز في علم الحيل (الميكانيكا) وبطليموس في الفلك … وكانت ترجمته لرسالة أرسطو في المنطق (Organon) وكتاب برفيري Porhyry المعروف باسم مقدمة لمقولات أرسطو هي التي استمد منها علم المنطق في السبعة القرون التالية أهم نصوصه وأفكاره، وهي التي مهدت السبيل للجدل الطويل بين الواقعية والاعتبارية. وحاول بؤيثيوس أن يكتب أيضاً في اللاهوت: فألَّف رسالة في التثليث دافع فيها عن النظرية المسيحية السائدة، ووضع المبدأ القائل إنه إذا اختلف الدين والعقل وجب إتباع الدين. وليس في