ينأى بنا عن أن نصطنع الصغار فيما نتمتع بهِ في وقتنا الحاضر، أو أن نعجب بما يتقلب فيه أي إنسان من سعادة، قد نتبدل إلى نقيضها على مرالأيام. ذلك أن المستقبل المجهول قد يأتي بما لا يحصى من مختلف الحظوظ؛ ونحن لا نسمي إنساناً سعيداً إلا إذا وهبته الآلهة السعادة إلى آخر أيامه. وإن في وصف الرجل الذي لا يزال في منتصف حياته وأخطارها بأنه سعيد من الخطأ والمخاطرة مثل ما في تتويج المصارع بتاج النصر وإعلان فوزه وهو لا يزال في حلبة الصراع.
وهذا العرض الشائق لما يطلق عليه كتاب المسرحيات اليونان اسم هبريس Hybris- أي الرخاء الوقح- لينم عن حكمة أفلوطرخس الشاملة. وكل ما نستطيع أن نقوله فيها إنها قد صيغت في ألفاظ أجمل من الألفاظ التي صاغها فيها هيرودوت، وإن كلا النصين في أغلب الظن من نسج الخيال. وما من شك في أن الطريقة التي مات بها صولون وكروسس تبرر ما في هذه العظة من تشكك. فقد خلع قورش كروسس في عام ٥٤٦، وعرف الرجل) إذا صح لنا أن نعيد صياغة عظة هيرودوت في ألفاظ دانتي (وهو في بؤسه مرارة تذكر أيام مجده السعيدة وما كان في تحذير الحكيم اليوناني من صرامة. أما صولون فإنه بعد أن عاد إلى أثينة ليلقى فيها الموت شهد في آخر أيامه القضاء على دستوره وإقامة حكم دكتاتوري على أنقاضه، وإخفاق كل ما بذله من جهود وإن كان إخفاقاً في ظاهر الأمر فحسب.
[٤ - دكتاتورية بيسستراتس]
لما غادر صولون أثينة- عادت الجماعات المتنازعة التي سيطر عليها مدى جيل كامل إلى ما كانت عليه من دسائس ومشاحنات سياسية متأصلة في طبيعتها. وكان فيها، كما كان في أيام الانفعالات الشديدة في الثورة الفرنسية، ثلاثة أحزاب تسعى جاهدة ليكون منها صاحب السلطان الأقوى:"الشاطئ" ويتزعمه تجار الثغور الذين يميلون إلى صولون؛ و "السهل"