تقول إحدى الشخصيات في كتاب "الاقتصاد" لزنوفون: "جميل أن ترى الأحذية مرتبة في صف حسب أنواعها، وجميل أن ترى الثياب والأغطية مقسمة حسب منافعها، وجميل أيضاً أن ترى أواني الطبخ مرتبة بذوق وتنسيق، وإن سخر من ذلك الثرثارون المتفيهقون. أجل إن الأشياء جميعها بلا استثناء يزداد جمالها إذا نُسقت وصُفت بانتظام. فهذه الأواني كلها تبدو حينئذ كأنها مجموعة متناسقة يكمل بعضها البعض. ومركزها المتكون منها جميعاً يخلق فيها جمالاً يزيده بُعد القطع الأخرى من المجموعة.
هذه الفقرة التي كتبها قائد حربي تكشف عن مدى إحساس اليونان بالجمال، وعن بساطة هذا الإحساس وقوته. وهذا الإحساس بأهمية الشكل والتناسق، وبالدقة والوضوح، وبالتناسب والنظام، هو العامل الأساسي في الثقافة اليونانية، وتراه واضحاً في شكل كل وعاء ومزهرية ونقشهما، وفي كل تمثال وصورة، وكل معبد وقبر، وكل قصيدة ومسرحية، وفي كل مؤلف يوناني في العلم والفلسفة. إن الفن اليوناني هو العقل مجسماً واضحاً، والتصوير اليوناني هو منطق الخطوط، والنحت اليوناني هو عبادة التناسب، والعمارة اليونانية هي الهندسة الرخامية. ليس في الفن