كثيراً ما تذكرنا سير عظماء الرجال بأن أخلاق الإنسان يمكن أن تتكون بعد مماته. فإذا استطاع الحاكم مثلاً أن يدلل المؤرخين الإخباريين الذين يلتفون به، فقد يرفعونه بعد موته إلى مكان القداسة، وإذا ما أساء إليهم فقد يسمون جثته بعد مماته بميسم العار، أو يلطخونها بالقار، وشاهد ذلك أن بولس تنازع مع بلاتينا، وأن بلاتينا كتب سيرته التي يعتمد عليها معظم ما كتب عن بولس، وأسلمه للخلف وحشا ملء إهابه الغرور، والأبهة الكاذبة، والشره.
وكان لهذا الاتهام بعض ما يبرره، وإن لم يزد هذا المبرر على أكثر مما يوجد في أية سيرة لا يخفف البر حدتها. لقد كان بيترو ياربو، كردنال سان ماركو، يفخر بجمال مظهره كما يفخر بذلك الناس كلهم تقريباً؛ ولما أن اختير بابا اقترح أن يسمى فورموزوس Formosus - أي الوسيم الخلق - وأكبر الظن أن ذلك كان من قبيل المزاح. لكنه رضى أن يعدل عن رأيه، واتخذ لقب بولس الثاني. وكان بسيطاً في حياته، ولكنه كان يعرف ما للفخامة من تأثير يخدر نفوس من حوله، فاحتفظ لنفسه ببلاط فخم، وكان سخياً جواداً في استضافة أصدقائه وزائريه. ولمّا دخل المجمع المقدس الذي اختاره بابا تعهد بأنه إذا اختير سيشن الحرب على الأتراك كما تعهد غيره من البابوات، وأن يعقد مجلساً عاماً، وأن يحدد عدد الكرادلة بأربعة وعشرين، وألاّ يتجاوز عدد أقارب البابا من بينهم كردنالاً واحداً، وألاّ يرفع أحداً إلى رتبة الكردنالية إذا لم يبلغ سن الثلاثين، وأن يستشير الكرادلة في جميع الشئون الخطيرة. فلمّا تم انتخاب بولس نبذ كل ما أخذه