صفوف اليهود، وأنه عما قريب عائد إلى الظهور يهودياً والعالم الإسلامي كله في ركابه. وحصل سبتاي على إذن بتبشير يهود أدرنه، مؤكداً للسلطات التركية أنه سيهدي سامعيه إلى الإسلام، وأصدر في الوقت نفسه رسائل سرية لليهود قال فيها أنه ما زال المسيا، وأن عليهم ألا يفقدوا إيمانهم به. ولكن لم يبد على اليهود، لا في أدرنه ولا في أي مكان آخر، أي علامة على قبولهم الإسلام. فلما خاب أمل الحكومة العثمانية رحلت سبتاي إلى أولسينج في ألبانيا، حيث لا يوجد يهود. وهناك كان المسيا المحطم في ١٦٧٦. وظل المؤمنون به نصف قرن يواصلون حركته، ويؤكدون قداسته، ويعدون بقيامته من بين الأموات.
[٦ - المهرطقون]
كان الأحبار عليمين بأن الدين في المجتمعات اليهودية التي يطوقها أعداء عتاة هو دعامة الحياة، وحياة الشريعة، لذلك زهدوا اليهود في الدراسة العلمانية التي قد تفتح ثغرة للتشكك في الدين. من ذلك أن يوئيل سركيس، الحاخام الأكبر في كركاو، أدان الفلسفة لأنها أم الهرطقة، و "العاهرة" المهلكة التي قال فيها سليمان "كل من دخل إليها لا يؤوب (٦١) " ورأى حرم أي يهودي في قضائه يدمن الفلسفة. وفزع يوسف سليمان ديلميديجو لخلو منهاج الدراسة والقراءة عند اليهود من العلوم، وكان قد وفد على بولندة (١٦٢٠) من إيطاليا التي ما زالت تجيش بحرارة النهضة، وكتب يقول "هاهي ذي الظلمة تغشي البلاد والجهلة كثيرون … وهم يقولون أن الرب لا يبتهج بالسهام المشحوذة في أيدي النحاة والشعراء والمناطقة، ولا بمقاييس الرياضيين ولا بحسابات الفلكيين (٦٢) ".
وكان ديلميديجو هذا حفيداً بعيداً لأيليا ديلميديجو، الذي كان يعلم العبرية في أوساط آل مديتشي. وبدأ انحرافاته بتعلم اليونانية كما تعلم التلمود من أبيه، وكان حاخاماً في كريت، وحصل على بعض التربية العلمية في جامعة بادوا التقدمية، حيث كان جليليو معلمه المشرف على دراسته ثم امتهن الطب الذي يسر له الرزق وخلع عليه اسمه الإيطالي، ولكن العلم-لا سيما الرياضة-ظل يفتنه، وفي