عاشت الفلسفة وقتاً ما في أسبانيا الإسلامية بما كانت تبثه بحكمة وحذر من الآراء التي تتفق مع الدين بين محاولات النقد الهين غير العنيف؛ وقد وجد الفكر شيئاً من الحرية المزعزعة في بلاط الأمراء الذين كانوا يستمتعون سراً بالبحوث التي يرونها ضارة بعامة الشعب. ومن أجل ذلك اختار أمير سرقسطة وهو من المرابطين أبا بكر بن باجة الذي ولد في تلك المدينة حوالي عام ١١٠٦ ليكون وزيراً له وكان ابن باجة، أو أفمباس Avempace كما اختار الأوربيون أن يسموه فيما بعد، قد بلغ، وهو لا يزال في شبابه، مرتبة عليا غير عادية في العلوم الطبيعية، والطب، والفلسفة، والموسيقى، والشعر؛ ويقول ابن خلدون إن الأمير أعجب بأبيات قالها العالم الشاب إعجاباً دفعه إلى أن يقسم ألا يدخل عليه قط إلا وهو يسير على الذهب، وخشي ابن باجة أن يقلل هذا القسم من الحفاوة به فوضع قطعة من النقود الذهبية في كلا حذاءيه. ولما سقطت سرقسطة في أيدي المسيحيين، فر الوزير-العالم-الشاعر منها إلى فاس حيث وجد نفسه فقيراً معدماً بين مسلمين يتهمونه بالكفر، ومات ابن باجة في سن الثلاثين مسموماً كما تقول بعض الروايات. وتعدّ رسالته في الموسيقى التي لم نقف لها على أثر خير ما كتب في هذا الموضوع الدقيق في الآداب الإسلامية في الغرب. وأشهر مؤلفاته كلها كتاب مرشد الحيران الذي جدد فيه البحث في أحد الموضوعات الأساسية في الفلسفة الإسلامية. فقد قال ابن باجة إن العقل البشري يتكون من جزأين: العقل المادي الذي يتصل بالجسم ويموت بموته؛ والعقل الفعّال أو العقل الكوني غير البشري الذي يوجد في الناس كلهم، وهو وحده الذي