للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل السّابع

[المؤرخون]

لم ينس اليونان النثر كل النسيان في نشوة الشعر المسرحي، فقد أولعوا أشد الولع بالخطابة مدفوعين إلى هذا بنزاعهم القضائي ونظامهم الديمقراطي. وإذا رجعنا إلى ذلك التاريخ البعيد - عام ٤٤٦ ق. م - رأينا كوراكس Corax السرقوصي يكتب رسالة يسميها تكني لوجون Techne Logon (فن الكلمات) يرشد بها المواطنين الذين يريدون أن يخاطبوا الجمعية أو القضاة؛ ونجد فيها منذ ذلك العهد تقسيم الخطبة إلى ديباجة، وقصة، ونقاش، وملاحظات ثانوية، ومسك الختام. ونقل غورغياس هذا الفن إلى أثينة، واستخدم أنتيفون Antiphon الأسلوب المنمق في الخطب والنشرات التي خصها بالدعاوة الألجركية، ثم أضحت الخطابة اليونانية على يد ليسياس أكثر وضوحاً وأقرب إلى الأسلوب الطبيعي؛ غير أن الخطب التي كانت تلقى على الجماهير لم تتخلص من خداع الألفاظ، ولم تثبت ما للأسلوب الحديث البسيط من قوة الأثر، إلا عند أعظم الساسة والحكام أمثال ثمستكليز وبركليز. وشحذ السوفسطائيين هذا السلاح الجديد واستغله تلاميذه استغلالاً بلغ من قوته أن حرم الحزب الألجركي تعليم فنون البلاغة بعد استيلائه على مقاليد الحكم في عام ٤٠٤ (١٣٦).

وكان التاريخ أعظم ما أنتجه النثر في عصر بركليز، ونستطيع أن نقول إن القرن الخامس هو الذي كشف عن الماضي وبحث عن علاقة الإنسان بالزمن. ويمتاز فن التاريخ عند هيرودوت بكل ما في الشباب من سحر وقوة، فإذا ما وصلنا إلى توكيديدز بعد خمسين عاماً من عصر هيرودوت رأيناه قد بلغ حداً من النضوج لم يفقه فيه أي عهد من العهود التي أعقبته، وكانت