للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الخامس

[القديس أوغسطين]

[١ - الآثم]

وكانت أفريقية الشمالية التي ولد فيها أوغسطين موطن خليط من الأجناس والعقائد، أمتزج في أهلها الدم البونى والنوميدى بالدم الروماني، ولعلهما أمتزجا في أوغسطين. وكان كثيرون من الناس يتكلمون اللغة البونية -وهي لغة قرطاجة الفينيقية القديمة، وقد بلغوا من الكثرة حداً اضطر معه أوغسطين وهو أسقف ألا يعين من القساوسة إلا من كان يتكلم هذه اللغة. وكانت الدونانية فيها تتحدى الديانة القويمة، والمانية تتحداهما جميعاً، ويلوح أن كثرة الأهلين كانت لا تزال وثنية (٥٢). وكان مسقط رأس أوغسطين هو بلدة تاجستي في نوميديا. وكانت أمه القديسة مونكا Monica مسيحية مخلصة قضت حياتها كلها تقريباً في العناية بولدها الضال والدعاء له بالهداية. أما والده كان رجلا قليل المال، ضعيف المبادئ صبرت مونكا على عدم وفائه ليقينها أنه لن يستمر على هذا إلى أبد الدهر.

ولما بلغ الغلام الثانية عشرة من عمره أرسل إلى المدرسة في مدورا Madaura، ولما بلغ السابعة عشر أرسل ليتم دراساته العليا في قرطاجنة. وقد وصف سلفان أفريقية بعد ذلك الوقت بقليل بأنها "بالوعة أقذار العالم"، كما وصف قرطاجنة بأنها "بالوعة أقذار أفريقية". ومن أجل هذا كانت النصيحة التي أسدتها مونكا لولدها وقت وداعه هي كما جاءت على لسانه.

"لقد أمرتني، وحذرتني في جد وصرامة من مخالفة أمرها، وألا أرتكب