وصلت الإمبراطورية اليونانية مرة أخرى في بداية القرن الحادي عشر إلى ما كانت عليه من القوة والثروة والثقافة في أوج مجدها أيام جستنيان، وذلك بفضل ما كان للأسرتين الإسورية والمقدونية من قوة حربية وحنكة سياسية، فانتزعت من المسلمين آسية الصغرى، وبلاد الشام الشمالية، وقبرص، ورودس، وخلقيدية، وإقريطش (كريت)؛ وعاد جنوبي إيطاليا فأصبح بلاد اليونان الكبرى Manga Grecia تحكمه القسطنطينية، واستُرِدَّت بلاد البلقان من البلغار والصقالبة، وسيطرت التجارة والصناعة البيزنطيتان مرة أخرى على أسواق بلاد البحر المتوسط، وانتصر المذهب المسيحي اليوناني في البلقان وروسيا، وأخذ الفن والأدب اليونانيان يستمتعان بنهضة مقدونية جديدة، وبلغ إيراد الدولة في القرن الثالث عشر، ما يوازي ٢. ٤٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ دولار من نقود هذه الأيام (١١).
وكانت القسطنطينية نفسها في أوج عزها، تفوق روما القديمة والإسكندرية وتضارع بغداد وقرطبة المعاصرتين لها في التجارة والثروة، والترف والجمال، والرقة والفن. وكان معظم سكانها البالغ عددهم نحو مليون من الأنفس (١٢) من الأسيويين والصقالبة-الأرمن، والكبدوكيين، والسوريين، واليهود، والبلغار، واليونان أنصاف الصقالبة، يمتزج بهم ويلونهم تجار وجنود من الإسكنديناويين، والروس، والطليان، والمسلمين؛ وتغشيهم طبقة رقيقة من الأشراف اليونان. وكان في داخل الإطار الخارجي المكون نصفه من الذهب ونصفه من الوحل، والذي تدور فيه الحياة المنتجة الخصيبة في العاصمة البيزنطية