ألف نوع ونوع من المنازل-ذا السقوف الهرمية والسطوح أو القباب-ذات شرفات، وبوائك، وحدائق أو عرائش؛ وأسواق غاصة بحاصلات العالم كله، وألف شارع وشارع ضيق موحل تحف به المساكن والحوانيت، وكثير من الشوارع الواسعة تكتنفها القصور الفخمة، والأروقة الظليلة، مليئة بالتماثيل تتخللها أقواس النصر؛ وتتصل المدينة بالريف من خلال أبواب محروسة في أسوار حصينة؛ وقصور ملكية معقدة كقصر ثيوفيلس ذي الثلاثة أجنحة، وقصر باسيل الأول الجديد، وقصر نقفور فوقاس الريفي المؤدي بدرج من الرخام إلى رصيف تقوم عليه التماثيل على شاطئ بحر مرمرة؛ وكنائس "بعدد ما في السنة من أيام" كما يقول أحد الرحالة"، بعضها تحف فنية غاية في الإبداع، ومذابح تضم أثمن ما في العالم المسيحي من مخلفات وأكثرها تعظيماً وإجلالاً؛ وأديرة لا يستحي من فيها من فخامة مظهرها، تضطرب من داخلها بالقديسين ذوي الكبرياء، وكنيسة أيا صوفيا التي تجدد زينتها على الدوام، تتلألأ فيها الشموع والمصابيح، مثقلة بالبخور؛ رائعة المناظر المهيبة، تتردد في جنباتها الترانيم الرنانة التي لا تترك شكاً في النفوس.
وكان في داخل قصور الأشراف وكبار التجار في المدينة، وبيوت الريف المقامة في مؤخرتها على شاطئ البحر، كل ما يستطيع ذلك العصر أن يصل إليه من مظاهر الترف والزينة التي لا تحرمها العادات والتقاليد السامية: رخام من كل صنف ولون، وصور على الجدران وفسيفساء، وتماثيل وخزف جميل، وسجف تنزلق على عصى من الفضة، وأقمشة مصورة على الجدران، وطنافس، وحرائر، وأبواب مطعمة بالفضة والعاج، وصحائف من الفضة والذهب؛ في هذه البيئة يتحرك المجتمع البيزنطي، رجال ونساء حسان الوجه والقوام، عليهن أثواب من الفراء والحرير الجميل اللون الموشي بالمخرمات، لا ينقصن في رشاقتهن، ومغامراتهن الحبية، ودسائسهن عن أهل باريس وفرساي في عهد آل بوربون. ولم تعرف