النساء قبل ذلك العهد مساحيق أبهى أو عطوراً أذكى أو جواهر أثمن أو تصفيفاً للشعر أجمل مما عرفته نساء ذلك العصر. وكانت النار تبقى متقدة في القصور الإمبراطورية طوال أيام العام لتطبخ عليها العطور التي يتطلبها تعطير الملكات والأميرات (١٣). ولم تكن الحياة في أي وقت من الأوقات السابقة أكثر زينة وأشد تكلفاً، وأكثر حفلات، واستقبالات، ومناظر؛ وألعاباً، واستمساكاً بالمراسم، وأشد مراعاة لآداب اللياقة منها في ذلك الوقت. وكان الأرستقراط المتأصلون في أرستقراطيتهم إذا خرجوا إلى مضمار السباق، أو وجدوا في بلاط الإمبراطور، يتباهون بأثوابهم الجميلة، وإذا ساروا في الطرق العامة اندفعوا بعرباتهم الفخمة لا يبالون بالراجلين الفقراء فكسبوا بذلك عداوتهم، وقد بلغوا من الأبهة ما استحقوا من أجله لعنة رجال الدين الذين كانوا يخدمون الله في آنية وعلى مذابح من الرخام، والمرمر، والفضة، والذهب. ويقول ربرت الكلاري Robert of Clari إن القسطنطينية في ذلك الوقت كانت تحوي على "ثلثي ثروة العالم كله"، "وحتى العامة أنفسهم" كما يقول بنيمين التطيلي "من السكان اليونان وكأنهم كلهم أبناء ملوك"(١٥).
ووصفها أحد كتاب القرن الثاني عشر فقال:"إذا كانت القسطنطينية تفوق سائر المدن في ثرائها، فإنها تفوق هذه المدن أيضاً في رذائلها"(١٦). ذلك أن جميع رذائل المدن الكبرى قد وجدت لها مكاناً فيها بين أغنيائها وفقرائها على السواء. فالقسوة الوحشية والتقوى كانتا تتبادلان الاستحواذ على نفوس الأباطرة، وفي نفوس العامة كان يمكن التوفيق بين الحاجة الشديدة إلى لدين ومفاسد السياسة والحرب أو عنفهما، وظل إخصاء الأطفال لاتخاذهم خصياناً في بيوت الحريم وأعمال الإدارة، واغتيال المطالبين بالعرش أو الذين يخشى أن يكونوا مطالبين به أو سمل عيونهم، ظلت هذه الجرائم تسير سيرها خلال حكم الأسر المختلفة، وخلال التغيرات الرتيبة المملة التي لا تنقطع. وكانت جماهير