واستنزفت الجهود ما بقي له من قوى جسمية، فانتابته الحمى، وأودت بحياته في أيام قلائل (١٥نوفمبر ١٦٣٠) وهو في التاسعة والخمسين من العمر وقد طمست الحرب كل معالم قبره.
وكانت رسالته في تاريخ الفلك أن يتوسط بين كوبرنيكس ونيوتن. وتقدم على كوبرنيكس بإحلاله المدارات ذات القطع الناقص محل المدارات الدائرية، وبالتخلي عن الانحرافات وأفلاك التدوير، وفي وضعه الشمس في إحدى بؤرتي القطع الناقص، لا في مركز دائرة. وبهذه التغييرات خلص نظرية كوبرنيكس من الصعاب التي كادت تبرر رفض تيكوبراهي لها. وعن طريقة بدأت الآن فكرة القياس من مركز الشمس تلقى قبولاً وتنتشر انتشاراً واسعاً. وحول ما كان مجرد حدس براق، إلى فرضية مصوغة في تفصيل رياضي. وأمد نيوتن بقوانين الكواكب التي قادته إلى نظرية الجاذبية. وعلى حين احتفظ كبلر بعقيدته الدينية راسخة لا تتزعزع، أظهر أن الكون كيان له قانون، ونظام كامل متناغم متناسق، فيه قوانين تحكم الأرض كما تحكم هي نفسها النجوم. وهو يقول "أن كل ما أصبو إليه أن أدرك كنه الذات الإلهية. فأني أجد الله في الكون الخارجي مثلما أجده في داخلي أنا"(٧٦).
[٩ - جاليليو]
١٥٦٤ - ١٦٤٢
أ - الفيزيائي
ولد جاليلو جاليلي في بيزا يوم وفاة ميكلأ نجلو (١٨ فبراير ١٥٦٤)، في نفس العام الذي ولد فيه شكسبير. وكان أبوه فلورنسياً مثقفاً أسهم في تعليمه اليونانية واللاتينية والرياضيات والموسيقى. ولم يكن من قبيل البعث أن يكون جاليليو، على وجه الدقة تقريباً، معاصراً لمنتفردي (١٥٦٧ - ١٦٤٣) لأن الموسيقى كانت من ضروب عزائه وسلواه الدائمة، وبخاصة في سني شيخوخته التي فقد فيها بصره، فعزف على الأرغن عزفاً جديراً بالإكبار والتقدير،