وحين زار لويس الثالث عشر (١٦٢٠) صدمة ألا يجد كنيسة كاثوليكية واحدة يصلي فيها (١٥). ونظر الملك الشاب في استياء وفزع إلى مذهب لم يهدد بأن يقسم روح فرنسا فحسب بل جسدها أيضاً. وفتش في لهفة بين حاشيته عن رجل في دمه من الحديد ما يكفل تحويل هذه الفوضى -فوضى العقائد والقوى المفرقة- إلى أمة موحدة.
[٢ - لويس الثالث عشر]
لقد أيقن أنه هو ذاته يفتقر إلى صحة البدن وقوة الذهن التي تتطلبها هذه التحديات. ولد في السنة الثامنة والأربعين لأب ربما أوهن من قواه الافراط الجنسي، لذلك كان يشكو السل، والتهاب الأمعاء، وتعثراً مربكاً في منطقه. وكان في فترات طويلة أضعف من أن يمارس الرياضة، إنه يعزف الموسيقى ويؤلفها، ويزرع البازلاء للسوق، ويسيج أرض الصيد، ويساعد في المطبخ. لم تبق له الوراثة والمرض على أي جمال في القوام أو الوجه، فهو نحيل نحولاً خطراً، ضخم الرأس والأنف، تركت شفته السفلى المتدلية فمه مفتوحاً دائما بعض الانفتاح؛ ينسجم وجهه الطويل الشاحب مع ردائه الكابي عن عمد. ولم تكن معاناته من الطبيعة بأشد من معاناته من أطبائه، فقد فصدوه في سنة واحدة سبعاً وأربعين مرة، وأعطوه ٢١٥ حقنة شرجية، وألقموه ٢١٢ دواء (١٦). على أنه احتفظ بالحياة بفضل ممارسته الرياضة حين يستطيع، والصيد، والانضمام إلى جيشه، والنوم في الهواء الطلق، وتناول طعام الجنود البسيط.
كان مدرسوه يضربونه مراراً، لذلك اشتد بغضه للتعلم، ويلوح أنه لم يقرأ قط كتاباً إلا للصلاة. واعتاد أن يتلو صلوات العبادة السبع كل يوم، وقبل في غير تشكك ذلك الايمان الذي لقنه في صباه، وكان ينضم دائماً إلى أي موكب يحمل القربان المقدس ويصاحبه إلى النهاية. وقد أفسدت مزاجه الرقيق بطبعه نزعة مريضة إلى القسوة تنتابه بين الحين والحين.