سميت فلورنس بهذا الاسم لكثرة أزهارها، وقد نشأت قبل المسيح بمائتي عام لتكون محطة تجارية على نهر الآرنو حيث يلتقي برافده المنيون Magnon، وخربتها غارات البرابرة، ولكنها استفاقت في القرن الثامن وصارت ملتقى الطرق على فيا فرنسيسا Via Francesa بين فرنسا وروما. وصارت سهولة اتصالها بالبحر المتوسط عاملاً في تشجيع تجارتها البحرية. وأنشأت فلورنس أسطولاً تجارياً كبيراً يحمل إليها الأصباغ والحرير من آسيا، والصوف من إنجلترا وأسبانيا، ويحمل منها المنسوجات إلى نصف بلاد العالم. واحتفظت فلورنس ببعض الأسرار الصناعية التي أمكنت صباغيها من أن يلونوا الأقمشة الحريرية والصوفية بظلال من الأوان الجميلة، لا تعلو عليها ألوان أخرى حتى في بلاد الشرق التي برعت في هذه الصناعة من زمن بعيد. وكانت نقابتا الصوف الشهيرتان- وهما نقابة الصوف ونقابة الحارة الخبيثة (١). تستوردان حاجتهما من الصوف وتجنيان مكاسب طائلة من نسجه وتحويله بضائع جاهزة. وكان الجزء الأكبر من العمل يجري في مصانع صغيرة بعضها في بيوت المدن أو الريف. وكان التجار هم الذين يوردون إليها المواد الغفل، ويجمعون البضائع التي تباع في الأسواق، ويدفعون أثمانها قطعة قطعة. وكانت المنافسة القائمة بين الصناع الذين يعملون في منازلهم- وخاصة السيدات العاملات- سبباً في بقاء مستوى الأجور منخفضاً في هذه
(١) وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مركز المعروضات فبها المسمى بهذا الاسم والذي كان من قبل مكاناً مخصصاً للعاهرات.