المصانع؛ ولم يكن يسمح للنساجين بأن يقوموا بعمل إجماعي لرفع أجورهم أو تحسين أحوال أعمالهم؛ وكانت الهجرة محرمة عليهم. وأراد أصحاب هذه المصانع أن يزيدوا من تأديب الصناع وإرغامهم على حفظ النظام، فأقنعوا الأساقفة بأن يصدروا رسائل دينية تتلى من فوق المنابر أربع مرات في العام وتنذر العامل الذي يعتاد إتلاف الصوف بغضب الكنيسة وبالحرمان نفسه (٥٣).
وكانت هذه الصناعة والتجارة تحتاجان إلى رؤوس الأموال لتستثمر فيهما، وسرعان ما أدى هذا إلى قيام التنافس بين التجار وأصحاب المصارف للسيطرة على الحياة في فلورنس. واستطاع أصحاب المصارف أن يمتلكوا ضياعاً واسعة باستيلائهم على الأراضي المرهونة التي يعجز أصحابها عن فك رهونها، كما أصبحوا ممن لا غنى عنهم للبابوات لسيطرتهم المالية على أملاك الكنائس المرهونة لهم، وكادوا في القرن الثالث عشر يحتكرون شؤون البابوات المالية في إيطاليا (٥٤). ولهذا فإن تحالف فلورنس مع البابوات بصفة عامة في نزاعهم مع الأباطرة كان الباعث عليه هذه العلاقة المالية من جهة وخشية الفلورنسيين من اعتداء الأباطرة والأشراف على حرية البلد والتجار من جهة أخرى. ومن أجل هذا كان رجال المصارف أكبر المؤيدين لحزب البابا في فلورنس، فهم الذين قدموا المال اللازم لحملة شارل دوق أنجو على إيطاليا إذ أقرضوا البابا إربان الرابع ١٤٨. ٠٠٠ جنيه فرنسي (أي ٢٩. ٦٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي). ولما استولى شارل على نابلي سمح لأصحاب المصارف الفلورنسيين أن يسكوا النقود ويجبوا الضرائب في المملكة الجديدة، وأن يحتكروا تجارة الأسلحة، والحرير، والشمع، والزيت، والحبوب، وتوريد الأسلحة والمؤن للجنود، كل ذلك ليضمنوا تحصيل قرضهم السالف الذكر (٥٥). وإذا جاز لنا أن نصدق دانتي، فإن هؤلاء الماليين الفلورنسيين لم يكن لهم ما لأمثالهم في هذه الأيام من ظرف وكياسة، بل كانوا قناصة للمال، غلاظاً شرهين، يجنون الأرباح الطائلة بالاستيلاء على الأراضي التي يغلق رهنها، ويتقاضون فوائد باهظة