للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباتت الهندسة الآن هدف كل العلوم بقدر ما هي أداتها. ولحظ كبلر أن العقل إذا هجر "مملكة الكمية" فإنه يهيم في متاهات الظلام والشك (٤٣). وقال جاليليو عن الفلسفة وهو يقصد "الفلسفة الطبيعية" أو العلوم:

إن الفلسفة مدونة في هذا السفر الضخم، ألا وهو الكون الذي يقف دوماً مكشوفاً أمام أعيننا نحملق فيه كيف نشاء. ولكن لن يتسنى لنا فهم هذا الكتاب إلا إذا تعلمنا، أول الأمر، كيف نعي اللغة ونقرأ الحروف التي تتألف منها. أن هذا السفر مكتوب بلغة الرياضيات (٤٤)،

وتتطلع ديكارت وسبينوزا إلى تحويل الميتافيزيقا (علم ما وراء الطبيعة) نفسها إلى صيغة رياضية.

وبدأ العلم الآن يحرر نفسه من أغلال أمه وهي الفلسفة. لقد هز كتفيه لأرسطو غير مبالٍ به. وأدرا ظهره للميتافيزيقا متجهاً نحو الطبيعة، وطور وسائل التمييز لديه، وسعى لتحسين حياة الإنسان على الأرض. أن هذه الحركة تنتسب إلى قلب عصر العقل، ولكنها لم تؤمن كل الإيمان ولم تثق كل الثقة "بالعقل الخاص"-أي العقل المستقل عن التجريب والاختبار. وكم من مرة ضل مثل هذا التفكير، ونسج خيوطاً واهية مضللة. أن العقل والتقاليد والسلطة يجب الآن ضبطها وكبح جماحها بدراسة الحقائق المتواضعة وتسجيلها. ومهما قال المنطق، فيجدر بالعلم ألا يتقبل إلا ما يمكن قياسه كمَّاً، والتعبير عنه رياضياً، وإثباته بالتجربة.

[٤ - العلم والمادة]

اندفعت العلوم خطوات إلى الأمام في تسلسل منطقي، خلال التاريخ الحديث: