بطئ، وهم مرهقون بالتماس أسباب العيش فلا يجدون فسحة من الوقت للتفكير (١٥). وعندما مات أمين المكتبة الإمبراطورية في ١٦٨٠، تقدم ليبنتز لشغل المنصب، ولكنه أضاف بأنه لا يريد أن يشغله إلا إذا عين معه عضواً في المجلس الإمبراطوري الخاص. ورفض طلبه، عاد إلى هانوفر حيث وجد بعض السلوى والعزاء في صداقة الناخبة صوفيا، وبعد ذلك في صداقة ابنتها صوفيا شارلوت التي ألحقته بالبلاط البروسي، وساعدته في تأسيس أكاديمية برلين (١٧٠٠)، وأوحت إليه بكتابة "التيوديسية"، وكرم في بقية أيام حياته، مركزه المتواضع بتبادل الرسائل مع زعماء الفكر في أوربا، وبإسهاماته الضخمة في الفلسفة، وتقديمه خطة جريئة لإعادة التوحيد الديني للعالم المسيحي.
[٣ - ليبنتز والمسيحية]
هل كان ليبنتز مسيحياً؟ الجواب الإيجاب "ظاهرياً" بطبيعة الحال، فإن رجلاً بمثل حماسته وتلهفه على العبور من الفلسفة إل فن الحكم وسياسة الدولة كان لزاماً عليه أن يلبس لاهوت الزمان والمكان اللذين عاش فيهما. وقال في مقدمة "التيوديسية": "لقد حاولت في كل الأشياء لأدرس الحاجة إلى التنوير والتهذيب (١٦) ". وكانت كل الكتابات التي نشرها في حياته أمثلة تحتذى في إخلاصها للعقيدة فقد دافعت عن التثليث والمعجزات والنعمة الإلهية، والإرادة الحرة، والخلود، كما هاجمت مفكري العصر الأحرار لانتقاصهم من قيمة الأسس الأخلاقية للنظام الاجتماعي على أنه "ذهب إلى الكنيسة قليلاً، … ولم يتناول القربان المقدس لسنوات كثيرة (١٧) ". ولقبه البسطاء من الناس في هانوفر "لوفينكس الذي لا يؤمن بشيء (١٨) ". ونسب إليه بعض الطلبة فلسفتين متعارضتين، واحد ة للاستهلاك العام وتسلية الأميرات، والأخرى "توكيد واضح المعالم لكل مبادئ سبينوزا (١٩). "أن ليبنتز كان يلجأ إلى سبينوزا كلما سمح لنفسه أن يكون منطقياً. وفي كتبه المنشورة حرص، تبعاً لذلك، على أن يكون غير منطقي (٢٠) ".
إن مساعيه للتوفيق بين الكاثوليكية والبروتستانتية جعلته عرضة للاتهام بعدم التفريق بين الأديان أو الإيمان بأنها جميعاً متساوية في