إذا كان العلم في القرن الرابع لم يتجاوز الدرجة الوسطى من الرقي، فقد كان هذا القرن عصر الفلسفة الذهبية. لقد بسط المفكرون الأولون آراء عامة في نظام الكون، وجاء السوفسطائيين فشكوا في كل شيء عدا البلاغة، وأثار سقراط آلاف الأسئلة ولم يجب عن واحد منها. أما الآن فقد نبتت البذور التي زرعت في مائتي عام وصارت نظماً عظيمة في بحوث ما وراء الطبيعة، والأخلاق، والسياسة. وكانت أثينة وقتئذ أفقر من أن تحتفظ للدولة بمصلحة طبية، ولكنها رغم فقرها هذا أنشأت جامعات خاصة، فأضحت بذلك "مدرسة هلاس" على حد قول إسقراط، وحاضرة بلاد اليونان الذهبية، والحكم الذي لا معقب لحكمه في شئونها العلمية، ولما أن أضعف الفلاسفة الدين القديم أخذوا يكافحون لكي يجدوا في الطبيعة وفي العقل بديلاً من هذا الدين يكون دعامة الأخلاق وهادياً للناس في سبيل الحياة.
وكان أول ما عملوه أن ارتادوا السبل التي فتحها لهم سقراط. ذلك أن السوفسطائيين كانوا قد ارتكسوا فاقتصروا في الغالب على تدريس البلاغة، وزالوا بوصفهم طبقة مستقلة؛ ولهذا أصبح تلاميذ سقراط مركز عاصفة من الفلسفات الشديدة التباين. فقد أثار إقليدس الميغاري Eucleides of Megara، الذي سافر إلى أثينة ليستمع إلى سقراط "عاصفة من الجدل" في مسقط رأسه كما يقول تيمن الأثيني (١٩)، وارتقى بنقاش زينون وسقراط فجعله