لم تكن الإمبراطورية التي أقامها دارا تعمر إلا قرناً من الزمان. ذلك أن قواها الطبيعية المادية والأدبية قد تصدعت على أثر الهزائم التي منيت بها في مراثون، وسلاميس، وبلاتية. وأهمل الأباطرة شئون الحرب، وانغمسوا في الشهوات، وتردت الأمة في مهاوي الجمود والفساد. ويكاد اضمحلال فارس أن يكون في جملته وتفاصيله صورة معجلة من سقوط روما؛ فقد اقترن فيه عنف الأباطرة وإهمالهم بفساد أخلاق الشعب وانحلالهم، وحل بالفرس ما حل بالميديين قبلهم، إذ استحال ما كانوا يتصفون به من تقشف وزهد منذ أجيال قليلة إلى استمتاع طليق، وأصبح أكبر ما تهتم به الطبقات الأرستقراطية بملء بطونها بلذيذ المأكل والمشرب؛ وشرع هؤلاء الرجال الذين فرضوا على أنفسهم من قبل ألا يتناولوا إلا وجبة واحدة من الطعام في اليوم يفسرون معنى الوجبة الواحدة بأنها وجبة تمتد من الظهر إلى غسق الليل، فامتلأت مخازن مؤنهم بكل ما لذ وطاب، وكثيراً ما كانوا يقدمون الذبائح كاملة لضيوفهم، وملئوا بطونهم باللحوم السمينة النادرة، وتفننوا في ابتكار أنواع المُشَهّيات والحلوى (١٤٠ أ). وغُصّت بيوت الأثرياء بالخدم الفاسدين المفسدين، وأصبح السُّكْر الرذيلة الشائعة بين كل الطبقات (١٤٠ ب). وملاك القول أن قورش ودارا قد خلقا بلاد الفرس وأن خشيارشاي ورثها عنهما ثم جاء من خَلَفَهُم من الملوك فدمروها تدميرا.