الموت يبحث عنه. فلما خشي كوندورسيه أن يلحق الضرر بمدام فرنيه إذا اكتشفت أنها تؤويه، أودعها مخطوطة وغادر بيتها متنكراً رغم اعتراضاتها. وبعد أن تشرد أياماً على أطراف باريس طلب طعاماً في فندق. وأثار الشبهة مظهره وعدم وجود أوراق تعرف بهويته. وسرعان ما تبينه القوم أرستقراطياً. وقبض عليه، وزج في سجن بمدينة بور-لا-رين (٧ أبريل ١٧٩٤). وفي صبيحة الغد وجد ميتاً في زنزانته. وقد ذهب أول كاتب لسيرته إلى أنه حمل السم في خاتم، وابتلع هذا السم، غير أن تقرير الطبيب الذي فحص الجثة عزا موته إلى جلطة في أحد عروقه (١٢٢). أما المؤتمر فقد أمر بعد حصوله على تخطيطه وقراءته بأن تطبع الدولة ثلاثة آلاف نسخة منه وتوزعها في جميع أنحاء فرنسا.
[٥ - الفلاسفة والثورة]
اتفق بيرك، وتوكفيل (١٢٣)، وتين (١٢٤)، على أن فلاسفة فرنسا، من بيل إلى مابلي، كانوا عاملاً كبيراً في أحداث الثورة. فهل نستطيع قبول النتيجة التي خلص إليها جهابذة المحافظين أولئك؟
لقد كان جميع الفلاسفة المرموقين معارضين للثورة على حكومات أوربا القائمة آنذاك، لا بل إن منهم من وضعوا إيمانهم في الملوك لأنهم أكثر أدوات الإصلاح عملية؛ واحتفظ فولتير، وديدرو، وجريم بعلاقات صداقة، إن لم يكن إعجاب شديد، بواحد أو آخر من أشد الحكام المعاصرين استبداداً-فردريك الثاني، كاترين الثانية، جستاف الثالث؛ وأسعد روسو أن يستقبل يوزف الثاني إمبراطور النمسا. أما ديدرو، وهلفتيوس، ودولباخ، فقد وجهوا النقد العنيف للملوك بصفة عامة، ولكنهم لم يدعوا قط في كتبهم التي بين أيدينا إلى الإطاحة بالملكية الفرنسية (١٢٥). وعارض مارمونتيل وموريلليه الثورة في غير مواربة (١٢٦)، وجهر مابلي، الإشتراكي بأنه ملكي (١٢٧)، أما طورجو معبود جماعة الفلاسفة، فقد جاهد لإنقاذ لويس السادس عشر لا للقضاء عليه. ودعم روسو الأقطار الجمهورية، ولكن لصغار الدول فقط، وقبلت الثورة نظرياته وأغفلت تحذيره. وحين