للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب السابع عشر

[عقل اليهودي وقلبه]

٥٠٠ - ١٣٠٠

الفصل الأول

[الأدب]

لقد ظلت روح اليهودي يتنازعها عاملان هما اعتزامه أن يشق طريقه في عالم معاد له وشغفه بثمار العقل. فالتاجر اليهودي عالم فقده العلم؛ يحسد الرجل الذي نجا من حمى الثراء، والذي شغف في هدوء واطمئنان بحب العلم وضرب بسهم في آفاق الحكمة، ولكنه لا يحسده فحسب بل يكرمه كذلك. وشاهد ذلك أن التجار ورجال المصارف الذاهبين إلى أسواق ترويس Troyes، كانوا يقفون في طريقهم ليستمعوا إلى راشي العظيم وهو يشرح التلمود (١). وبفضل هذه الروح ظل يهود العصور الوسطى وهم في غمار المشاغل التجارية، والفقر المذل، والازدراء القاتل، ظلوا ينتجون النحويين، وفقهاء الدين، والمتصوفة، والشعراء، والعلماء، والفلاسفة، ولم يضارعهم في آدابهم الواسعة وثرائهم العقلي إلا المسلمون فيما بين ١١٥٠ و ١٢٠٠ (٢). وكان مما يسر لهم أسباب هذا النبوغ أنهم يعيشون بين المسلمين أو على اتصال بهم، وإن كثيرين منهم كانوا يعرفون اللغة العربية، فكان عالم الثقافة الإسلامية الثري بأجمعه في العصور الوسطى مفتوحاً أمامهم يغترفون من بحره الطامي في العلوم والطب، والفلسفة، وبفضل وساطتهم أثاروا