نعم إنها كانت تمتدح العزوبة، والبكورية، والفقر، ولكن لم يكن في وسعها أن تعد الزواج، أو الأبوة، أو الملكية من الخطايا، بل لقد أصبح الآن من مصلحتها أن يدوم الجنس البشري ويتناسل ويكثر. وكان بعض الرهبان يغادرون الأديرة باختيارهم، ويضايقون الناس بإلحافهم في السؤال. ومنهم من كانوا يتنقلون من بلدة إلى بلدة، يدعون إلى الزهد ويبيعون مخلفات حقيقية أو زائفة، ويرهبون المجامع الدينية المقدسة، ويحرضون ذوي الطبائع الحامية من الناس على تدمير الهياكل أو التماثيل الوثنية، أو يدعونه في بعض الأحيان إلى قتل امرأة من طراز هيباشيا Hypatia. ولم تكن الكنيسة راضية عن هذه الأعمال الفردية التي يأتيها هؤلاء الرهبان من تلقاء أنفسهم، وقد قرر مجلس خلقيدون (٤٥١) أن تفرض رقابة شديدة على من يدخلون الأديرة، وأن الذين يهبون أنفسهم لها لا يجوز لهم أن يخرجوا بعدئذ منه، وألا يسمح لإنسان بأن ينشئ ديراً أو يغادره إلا إذا أذن له بذلك أسقف الأبرشية.
[٢ - الأساقفة الشرقيون]
لقد نالت المسيحية في الوقت الذي نتحدث عنه نصراً في بلاد الشرق يكاد أن يكون تاماً، ففي مصر أصبح المسيحيون المحليون أو القبط (١) هم أغلبية السكان، وكانوا يمدون بالمال مئات من الكنائس والأديرة، واعترف تسعون أسقفاً مصرياً بسلطة بطريق الإسكندرية، وهي سلطة تكاد تضارع سلطة الفراعنة والبطالمة. وكان بعض هؤلاء البطارقة ساسة من رجال الدين ومن طراز غير محبوب أمثال توفيلس الذي حرق هيكل سرابيس الوثني ومكتبته (٣٨٩). وكان خيراً منه وأحب إلى النفوس الأب سينسيوس Sinesius أسقف بطوليمايس
(١) كلمة Copt الأوربية مأخوذة من كلمة قبط العربية وهذه محرفة عن إيجبتوس Aigyptos اليونانية ومعناها مصري.