المتواضع. وكان مولده في قوريني (حوالي عام ٣٦٥)، وقد درس علوم الرياضة والفلسفة في الإسكندرية على هيباشيا؛ وظل إلى آخر أيام حياته صديقها الوفي، وكان يسميها:"الشارحة الحقه للفلسفة الحقه". ثم زار أثينة، وفيها قويت عقيدته الوثنية، ولكنه تزوج بامرأة مسيحية في عام ٤٠٣، واعتنق على أثر ذلك الدين المسيحي، ووجد أن من المجاملة البسيطة لزوجته أن يحول ثالوث الأفلاطونية الحديثة المكّون من الواحد، والفكر، والنفس، إلى الأب، والروح، والابن (٤٥). وكتب كثيراً من الرسائل البديعة، ويعض الكتب الفلسفية القليلة الشأن لا يوجد بينها شيء ذو قيمة للقارئ في هذه الأيام، إذا استثنينا مقاله "في مدح الصلح". وفي عام ٤١٠ عرض عليه توفليس أسقفية بطوليمايس، وكان وقتئذ من سراة الريف وممن كان مالُهم أكثر من مطامعهم، فقال إنه غير أهل لهذا المنصب، وإنه لا يؤمن ببعث الأجسام (كما تتطلب ذلك عقائد مؤتمر نيقية) وإنه متزوج، ولا يريد أن يهجر زوجته. ولكن العقائد المقررة كانت في نظر توفليس مجرد آلات، فغض النظر عن هذه المخلفات وعيّن سينسيوس أسقفاً قبل أن يفصل الفيلسوف في أمره. ومن الحادثات الطريفة التي تتفق مع ما عرف عن هذا الأسقف أن آخر رسالة كتبها كانت موجهة إلى هيباشيا وأن آخر صلاة له كانت للمسيح (٤٦).
وعوملت الهياكل الوثنية في سوريا بالطريقة التي تتفق مع طباع توفيلس، فقد صدر أمر إمبراطوري يقضي بإغلاقها؛ وقاومت البقية الباقية من الوثنيين أمره هذا ولكنهم استسلموا أخيراً للهزيمة حين رأوا آلهتهم ترضى بتخريب هياكلها دون مبالاة. وكان للمسيحية في آسية زعماء أعظم حكمة من زعمائهما في مصر (١). فمن هؤلاء باسيلي العظيم الذي تعلم في حياته القصيرة التي لا تزيد على
(١) شغل القديس نقولا Ncholas في القرن الرابع كرسي أسقفية ميرا Myra في ليشيا Lycia. وكان جم التواضع لم يدر قط بخلده أنه سيصبح في يوم من الأيام القديس راعي روسيا، وراعي اللصوص، والأولاد، والبنات، ثم يدخل أخيراً باسمه الهولندي سنتا كلوز Santa Claus في الأساطير المسيحية المنتشرة في نصف العالم المسيحي.